1 باب التوقي في الحديث عن رسول الله ﷺ
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا معاذ بن معاذ، عن ابن عون، حدثنا مسلم البطين، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه
عن عمرو بن ميمون، قال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه. قال: فما سمعته يقول لشيء قط: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما كان ذات عشية قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فنكس، فنظرت إليه وهو قائم محللة أزرار قميصه، قد اغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه. قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريبا من ذلك، أو شبيها بذلك (2).
الرِّوايةُ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمانةٌ، وينْبَغي التَّحرُّزُ فيها، وقد كان الصَّحابةُ والتَّابعونَ يتحرَّزون مِن كَثرةِ الرِّوايةِ دونَ حاجةٍ، وفي هذا الحديثِ يقولُ التَّابعيُّ عمرُو بنُ ميمونٍ: "ما أخطَأَني ابنُ مسعودٍ عشيَّةَ خميسٍ إلَّا أتيتُه فيه"، أي: ما فاتَني لِقاؤه مساءَ كلِّ خميسٍ، "فما سمِعْتُه يقولُ بشيءٍ قطُّ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، خوفًا وتحرُّزًا مِن كثرةِ الحديثِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فلمَّا كان ذاتَ عشيَّةٍ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: فحدَّثَ بحديثٍ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فنكَسَ"، أي: خفَضَ رأْسَه، "فنظَرْتُ إليه فهو قائمٌ مُحَلَّلةٌ أزرارُ قَميصِه، قدِ اغْرَورقَت عَيناه"، أي: امتلَأَتْ بالدِّموعِ، "وانتفَخَت أوداجُه"، أي: ظهَرَت وامتلَأَت عُروقُ رَقَبَتِه، "قال: أو دونَ ذلك، أو فوقَ ذلك، أو قريبًا مِن ذلك، أو شبيهًا بذلك"، المقصودُ أنَّ ابنَ مسعودٍ مِن تحرِّيه للرِّوايةِ وخوفِه مِن تغييرِها، فإنَّه يقول: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال مثْلَ هذا القولِ في المعنى بهذه الألفاظِ، أو قريبًا منها، أو شبيهًا بها في المعاني والألفاظِ، ومثْلُ هذا ما أخرَجَه ابنُ ماجَه مِن رِوايةِ ابنِ سِيرينَ، قال: "كان أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه إذا حدَّثَ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حديثًا ففرَغَ منه، قال: أو كما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"؛ خَشيةَ أنْ يكونَ رَواهُ بالمعنى.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على التَّحرُّزِ في رِوايةِ السُّنَّةِ النَّبويَّةِ( ).