أطيب الطيب
سنن النسائي
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا شعبة، عن خليد بن جعفر، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن امرأة من بني إسرائيل اتخذت خاتما من ذهب وحشته مسكا» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو أطيب الطيب»
الإسلامُ دِينُ الطُّهْرِ والطَّهارةِ والنَّظافةِ، جاءتْ آيُ القرآنِ الكريمِ ونُصوصُ الحديثِ الشَّريفِ تُؤَكِّدُ على أهميَّة الطَّهارةِ، وضَرورةِ النَّظافةِ عند المُسلِمين
وفي هذا الحديثِ: أنَّ أُناسًا من أَهْلِ العِراقِ "جاؤوا"، أي: حَضَروا إلى ابنِ عَبَّاسٍ يسألونه، فقالوا: يا ابنَ عَبَّاسٍ، "أَتَرَى الغُسْلَ يومَ الجُمعةِ واجِبًا"، أي: هل غُسْلُ الجُمعةِ واجِبٌ على كُلِّ مُسلِمٍ؟ قال: "لا"، أي: ليس بواجِب، "ولكنَّه أَطْهَرُ" من حيث النَّظافةُ والطَّهارةُ، "وخيرٌ لِمَن اغْتَسَلَ" من حيثُ الأَجْرُ والثَّوابُ واتِّباعُ السُّنَّةِ، "ومَنْ لمْ يَغتسِل فليس عليه بواجِبٍ"، أي: فلا إِثْمَ على مَنْ لمْ يَغتسِل
ثم قال رضِي اللهُ عنهما: "وسَأُخْبِرُكم كيف بَدْءُ الغُسْلِ"، أي: وسَأُوَضِّحُ لكم كيف بَدْءُ أَمْرِ غُسْلِ الجُمعةِ، كان النَّاسُ "مَجْهودِين"، أي: مُتْعَبِينَ قد أَصَابَهم التَّعَبُ والمَشَقَّةُ، أو كانوا فُقراء "يَلْبِسون الصُّوفَ"، أي: ثِيابًا مَصنوعَةً من الصُّوفِ، "ويعملون على ظُهورِهم"، أي: يَحمِلون أَحمالًا على ظُهورِهم فَيخرُج منهم العَرَقُ، "وكان مَسجِدُهم ضَيِّقًا"، وهو مسجدُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، "مُقَارِبَ السَّقْفِ"، أي: كان سَقْفُهُ قَريبًا وليس مُرتَفِعًا عالِيًا، "إنَّما هو عَرِيشٌ"، أي: مُعَرَّشُ بِجَرِيدِ النَّخْلِ، فَخَرَجَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في "يومٍ حَارٍّ"، أي: يومٍ شَديدِ الحَرارةِ، "وعَرِقَ النَّاسُ في ذلك الصُّوفِ"، أي: وسَالَ منهم العَرَقُ بسببِ شِدَّةِ الحَرارةِ ولُبْسِ الصُّوفِ، "حتَّى ثارَتْ منهم رِياحٌ"، أي: حتَّى ظَهرتْ رَوائِحُ كَريهَةٌ من العَرَقِ، "آذَى بذلك بعضُهم بعضًا"، أي: تَأذَّى بعضُهم من بعضٍ بسببِ كَراهةِ الرَّائِحةِ التي خَرجتْ منهم بسبب العَرَقِ، قال: فلَمَّا وَجَدَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم "تِلك الرِّيحَ"، أي: الرَّائِحةَ الكَريهةَ، قال: "أَيُّها النَّاسُ، إذا كان هذا اليومُ"، أي: إذا جاءَ يومُ الجُمعةِ، "فاغْتَسِلوا"، أي: تَطَهَّرُوا وتَنَظَّفُوا، "وَلْيَمَسَّ"، أي: وليَسْتَخْدِم ويَسْتَعْمِل، "أَحَدُكم أَفْضَلَ ما يَجِدُ من دُهْنِهِ وطِيبِهِ"، فيَتَعَطَّر ويَتَطَيَّب
قال ابنُ عَبَّاسٍ: "ثُمَّ جاء الله بالخيرِ"، أي: فَتَحَ اللهُ عليهم بالخيرِ والسَّعَةِ في الرِّزْقِ، "ولَبِسُوا غيرَ الصُّوفَ"، أي: ولَبِسُوا ثِيابًا من القُطْنِ والكَتَّانِ وغيرها، " وَكُفُوا العَمَلَ"، أي: وصارَ لهم خَدَمٌ يَخْدُمونَهم ويَكْفُونَهم مَشَقَّةَ العَمَلِ، "وَوُسِّعَ مَسْجِدُهُمْ"، أي: وصارَ المسجدُ واسِعًا، "وذَهَبَ بعضُ الَّذي كان يُؤذِي بعضُهم بعضًا من العَرَقِ"، أي: وذَهَبَتِ الرَّائِحةُ الكَريهةُ التي كانتْ تَخرُج منهم بسببِ العَرَقِ؛ فَيُؤذِي بعضُهم بعضًا من كَراهةِ الرَّائِحةِ
وفي الحديثِ: فَضْلُ الاغْتِسالِ يومَ الجُمعةِ
وفيه: الحَثُّ على اسْتِخْدامِ العُطورِ عند الذِّهابِ لصَلاةِ الجُمعةِ
وفيه: النَّهْيُ عن إِهمالِ النَّظافةِ وتَرْكِ الرَّوائِحِ الكَريهةِ بالجَسدِ يومَ الجُمعةِ