الرخصة في ترك القيام 7
سنن النسائي
أخبرنا إسحق، قال: أنبأنا النضر، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، عن أنس، أن جنازة مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقام، فقيل: إنها جنازة يهودي، فقال: «إنما قمنا للملائكة»
في هذا الحديثِ يَحكي أنَسُ بنُ مالكٍ رَضِي اللهُ عَنه: "أنَّ جِنازةً مرَّتْ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقام"، أي: وقَفَ للجِنازةِ عند مُرورِها، والجِنازةُ: اسمٌ للميِّتِ في النَّعْشِ، فقيل للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّها جِنازةُ يهوديٍّ"؛ وقد قيل ذلك بيانًا للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم واستفهامًا منه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ لِمَا يَتعارَضُ مع مَفهومِ المخالَفةِ لهم وأنَّهم كانوا يقومون ويَقِفون لجنائزِهم، وقد أمَر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمُخالفتِهم؛ فكيف يُوافِقُهم في فِعلِهم؟!، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّما قُمْنا للملائكةِ"، أي: بيَّنَ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنَّ قيامَه ووقوفَه كان تعظيمًا لمرورِ الملائكةِ الَّتي صحِبَتْ تلكَ الجِنازةَ، وقد وردَتِ رِواياتٌ أخرى يُخبِرُ فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أنَّ مِن أسبابِ قِيامِه أيضًا: التَّعظيمَ لأمرِ الموتِ، كما أخرَج الإمامُ مُسلِمٌ من حديثِ جابرٍ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "إنَّ الموتَ فزَعٌ، فإذا رأيتُم الجنازةَ فقُوموا"، وكذلكَ التَّعظيمُ لأمرِ النَّفسِ والرُّوحِ الَّتي قَبضَتْها الملائكةُ، كما في الصَّحيحَينِ مِن حديثِ قَيسِ بنِ سَعدٍ وسَهلِ بنِ حُنيفٍ، أنَّهما قالَا: "إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم مرَّتْ به جِنازةٌ فقامَ، فقيل: إنَّه يَهوديٌّ! فقال: أليستْ نفْسًا؟!"؛ فمَجموعُ تِلك الأغراضِ ممَّا جاء أنَّه سَببٌ لقِيامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عند مُرورِ الجنازةِ
وقد أخْرَج الشَّيخانِ عن عامِر بنِ ربيعةَ رَضِيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال: "إذا رأى أحدُكم الجِنازة، فإن لم يكُنْ ماشيًا معها، فلْيَقمْ حتى تُخَلِّفَه، أو تُوضَعَ مِن قَبلِ أن تُخَلِّفَه"، ولكنْ جاء عندَ النِّسائيِّ عن ابنِ عبَّاسٍ ما يَنسَخُ قِيامَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لجِنازةِ هذا اليهوديِّ وغيرِه، وفيه قال: "قام لها ثمَّ قعَد"، وهذا كان آخِرَ الأمرينِ مِن فِعلِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم. وقيل: بلْ يُجمَعُ بين هذه الأدلَّةِ بأنْ يُحمَلَ القِيامُ للجنائزِ على التَّخييرِ