استراحة المؤمن بالموت
سنن النسائي
أخبرنا قتيبة، عن مالك، عن محمد بن عمرو بن حلحلة، عن معبد بن كعب بن مالك، عن أبي قتادة بن ربعي أنه كان يحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال: «مستريح ومستراح منه»، فقالوا: ما المستريح وما المستراح منه؟ قال: «العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب»
الدُّنيا مَزْرعةُ الآخِرةِ يَحصُدُ فيها النَّاسُ ثِمارَ أعمالِهمْ؛ إنْ خيْرًا فخيْرٌ، وإنْ شرًّا فشَرٌّ، وفي الآخِرةِ يكونُ الجزاءُ إمَّا إلى الجنَّةِ، وفيها الراحةُ الأبدِيَّةُ، أو إلى النَّارِ، وفيها التَّعبُ والنَّصَب والشَّقاءُ
وفي هذا الحَديثِ يَحكي أبو قَتادةَ الأنصاريُّ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَرَّت عليه جِنازةٌ مَحْمولةٌ لتُدفَنَ، فقالَ: «مُستَريحٌ ومُستَراحٌ مِنهُ»، أي: إنَّ الجنائزَ والأمواتَ عندَ انتِهاءِ آجالِهِم بيْنَ حَالين: إمَّا أنْ يَستَرِيحَ الميِّتُ، وإمَّا أنْ يَستريحَ النَّاسُ من الميِّتِ. فاستفسر الصَّحابةُ عن معنى قَوْلِه، فأخْبَرَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ العبدَ المُؤمِنَ بعْدَ موْتِهِ يَستَريحُ مِن تَعبِ الدُّنيا وأذاها بدُخولِه في رَحْمةِ اللهِ ورِضْوانِه، فيَنْتَقِلُ مِن حالِ التَّعبِ إلى حالِ الرَّاحةِ، وأمَّا العبدُ الفاجرُ -وهوَ العاصي أو الكافرُ- فيَستَريحُ منهُ العِبادُ والبلادُ، والشَّجَرُ والدَّوابُّ؛ بالخَلاصِ مِن فُجُورِه وشُرورِه وأذاهُ، وهي أفعالٌ تَضُرُّ بالعِبادِ، وتكونُ سَببًا للهلاكِ لوْ كَثُر الفُجَّارُ، فيَمنَعُ اللهُ الخيرَ والمطرَ، فيَهلِكُ جميعُهُم بما فيهِم الشَّجرُ والدَّوابُّ
وبهذا التَّبيِينِ والتَّوضيحِ النَّبوِيِّ فإنَّ المسلمَ قدْ وُضِعَ أمامَه الاختِيارُ، فلْيَخْترْ لنفْسِهِ ما أحبَّ، ولْيَعْمَلْ ولْيَجْتَهدْ حتَّى يكونَ مُستَريحًا في الآخرةِ
وفي الحَديثِ: بَيانُ أحوالِ النَّاسِ بعْدَ الموتِ؛ فمنهمْ شَقيٌّ وسَعيدٌ، ومُستريحٌ ومُستراحٌ منهُ
وفيه: بَيانُ أنَّ ضَررَ الفُجورِ والعِصيانِ يتَجاوَزُ شَخْصَ الفاجرِ إلى النَّاسِ والشَّجرِ والدَّوابِّ