الجلاجل 2
سنن النسائي
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن سلام الطرسوسي، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أنبأنا نافع بن عمر الجمحي، عن أبي بكر بن موسى، قال: كنت مع سالم بن عبد الله، فحدث سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلجل»
الملائكةُ خَلْقٌ مُكرَّمون لا يَعصُون اللهَ ما أمَرَهم ويَفعلون ما يُؤمَرون؛ ولذلك لا يَدخُلونَ الأماكنَ والبيوتَ الَّتي تَكونُ فيها مَعَاصٍ تُغضِبُ اللهَ عزَّ وجلَّ
وفي هذا الحديثِ تقولُ أمُّ سلَمةَ رَضِي اللهُ عَنها: "لا تدخُلُ الملائكةُ بيتًا"، أي: إنَّ الملائكةَ تَمتنِعُ مِن الدُّخولِ والمُكْثِ في بيتٍ يكونُ "فيه جُلجُلٌ ولا جَرَسٌ"، والجُلجُلُ هو الجَرَسُ الصَّغيرُ، والجَرَسُ يكونُ كبيرًا، وقيل: الجُلجُلُ هو الجَرَسُ الصَّغيرُ الَّذي يُعلَّقُ في أُذُنِ المرأةِ، أو ما تَتزيَّنُ به المرأةُ في رِجْلِها، وقيل: هو كلُّ ما يُوضَعُ في عُنُقِ الحَيواناتِ، وهو ما يُحدِثُ صوتًا فيه رَنينٌ، "ولا تَصحَبُ الملائكةُ"، أي: لا تكونُ الملائكةُ مُصاحِبةً ومُرافِقةً، "رُفْقَةً فيها جَرَسٌ"، وهي الجماعةُ المسافرةُ على الإبلِ والخيولِ، فكانوا يُعلِّقونَ في رقابِها أجراسًا صغيرةً، وقيل: المقصودُ بمصاحبةِ الملائكةِ حُصولُ برَكَتِهم باستِغفارِهم، وهؤلاءِ الملائكةُ الَّذين لا يَدخُلونَ البيتَ الَّذي فيه جَرَسٌ: هم ملائكةٌ يَنزِلونَ بالرَّحمةِ والاستغفارِ، بخِلافِ الملائكةِ الحفَظةِ؛ فهم لا يُفارِقونَ الإنسانَ، وقيل: سببُ عدَمِ دُخولِ الملائكةِ بيتًا فيه جَرَسٌ أو ابتعادِها عن جماعةٍ فيها جرَسٌ: أنَّ الجرسَ مِن مَزاميرِ الشَّيطانِ، مِن حيثُ ما يُحدِثُه مِن صَوتٍ فيه طرَبٌ، كما وصَفَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الجَرسِ بمزاميرِ الشَّيطان في حديثٍ آخَرَ عن أبي هُرَيرةَ في صَحيحِ مسلمٍ، وقيل: لأنَّه يُشبِهُ النَّاقوسَ، وقيل: إنَّما كرِهَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ لأنَّه يدُلُّ بصوتِه على أصحابِه، وكان عليه السَّلامُ يُحِبُّ ألَّا يعلَمَ أعداؤُه به
وفي الحديثِ: أنَّ مَنِ امتَثَل وصايا رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في سفَرِه، فإنَّ اللهَ يُصحِبُه ملائكةً يدفَعونَ عنه الأذَى، ويُؤنِسونَ وَحْشَتَه، ويُكثِّرونَ وَحْدتَه
وفيه: النَّهيُ عن استِعمالِ الجرَسِ وتَعليقِه في بيتٍ أو مع دابَّةٍ