الجلوس على الكراسي
سنن النسائي
أخبرنا يعقوب بن إبراهيم، عن عبد الرحمن، عن سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، قال: قال أبو رفاعة: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقلت: يا رسول الله، رجل غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه، «فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إلي، فأتي بكرسي خلت قوائمه حديدا، فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يعلمني مما علمه الله ثم أتى خطبته فأتمها»
كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحسنَ الناسِ تعليمًا، وأكثرَهم تواضعًا، ورِفْقًا بالمُسلِمين، وشَفقَةً عليهم، وخفْضَ جَناحِه لهم، كما وصَفَه اللهُ سُبحانَه وتعالى، حيث قال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، وقد ظهَرَ ذلك في مواطنَ كثيرةٍ لمَن يقصِدُه
كما في في هذا الحديثِ، الذي يقولُ فيه أبو رِفاعةَ العدويُّ رضِيَ اللهُ عنه: "انتهَيْتُ إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: وصلْتُ إلى مَجلِسِه، "وهو يَخطُبُ، فقلْتُ: يا رسولَ اللهِ، رجُلٌ غريبٌ"، أي: بَعيدٌ عن موطِنِه، "جاء يسأَلُ عن دِينِه لا يَدْري ما دِينُه"، أي: إنَّ سبَبَ غُربتِه تعلُّمُ أحكامِ الدِّينِ وشَرائعِه، قال: "فأقبَلَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: ذهَبَ نحوَه، وترَكَ خُطبَتَه حتَّى انتهى إليه، فأُتِيَ بكُرسيٍّ، أي: لَمَّا وصَلَ إليه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جاء له أصحابُه بكُرسيٍّ ليجلِسَ عليه، وليراهُ الجميعُ، وليَسمَعَ الباقونَ من كلامِه، وهذا الكرسيُّ قد "خِلْتُ قوائِمَه حديدًا"، أي: ظَننتُ أنَّ قوائمَ الكُرسيِّ صُنِعَت من حَديدٍ، "فقعَدَ عليه رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فجعَلَ يُعلِّمني ممَّا علَّمَه اللهُ"، أي: اهتَمَّ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإجابتِه على سُؤالِه وتَعليمِه إيَّاهُ، "ثمَّ أتى خُطبتَه فأتَمَّها"، أي: ثمَّ رجَعَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لخُطبتِه الَّتي كان قد قطَعَها من أجْلِه. ويَحتمِلُ أنْ تكونَ تلك الخُطبةُ للجُمُعةِ، أو لغيرِها؛ إذ قد كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَجمَعُ النَّاسَ لغيرِ الجُمعةِ عندَ نُزولِ النَّوازلِ، فيَخطُبُ فيهم ويعِظُهم
وفي الحديثِ: الحثُّ على المُبادرةِ لتَعليمِ مَن رغِبَ في تَعلُّمِ أُمورِ الدِّينِ