الحلف بالكعبة

سنن النسائي

الحلف بالكعبة

 أخبرنا يوسف بن عيسى، قال: حدثنا الفضل بن موسى، قال: حدثنا مسعر، عن معبد بن خالد، عن عبد الله بن يسار، عن قتيلة، امرأة من جهينة: أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تنددون، وإنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، " فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، ويقولون: ما شاء الله، ثم شئت "

يَنبغي على المرءِ المُسلمِ أنْ يَقبَلَ بالحقِّ أينما وجَدَه ومِن أيِّ قائلٍ به؛ فالحِكمةُ ضالَّةُ المؤمنِ، أينَما وجَدَها فهو أحقُّ بها
وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ قُتيلَةُ بنتُ صَيفيٍّ الجُهَنيَّةُ رضِيَ اللهُ عَنها: "أنَّ يهوديًّا أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فقال: إنَّكم تُندِّدون"، أي: تتَّخِذون أندادًا، والنِّدُّ: الشَّيءُ المضادُّ، والمرادُ: أنَّهم يتَّخِذون آلهةً مِن دونِ اللهِ عزَّ وجلَّ "وإنَّكم تُشرِكون؛ تَقولون: ما شاء اللهُ وشِئتَ"، أي: إنَّ وَجهَ شِركِكم باللهِ هو التَّسويةُ بين مَشيئةِ الخالقِ والخلقِ، "وتقولون: والكَعبةِ"، أي: وكذلك قَسَمُكم بالكعبَةِ لا بربِّ الكعبةِ، "فأمَرهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: أصحابَه رضِيَ اللهُ عَنهم، "إذا أرادوا أنْ يَحلِفوا أنْ يقولوا: ورَبِّ الكعبةِ"، أي: يَكونُ القسَمُ باللهِ عزَّ وجلَّ، "ويقولون: ما شاء اللهُ ثمَّ شِئتَ"، أي: إنَّ مَشيئةَ العبدِ تَأتي بعد مَشيئةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، لا أنْ تَشترِك معه
وفي روايةِ الإمامِ أحمدَ أنَّ هذا الأمرَ كان نتيجةَ رُؤيا رآها طُفَيلُ بن سَخْبرةَ، وفيها قال له اليهودُ والنَّصارى "وإنَّكم تُشرِكون، تقولون: ما شاءَ اللهُ وشِئتَ"، وأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم صَعِدَ المِنبرَ وقال: "إنَّ طُفيلًا رأى رُؤيا، فأخْبَر بها مَن أخْبَر منكم، وإنَّكم كنتُم تقولون كَلِمةً، كان يَمنعني الحياءُ منكم أنْ أنهاكم عنها، قال: لا تقولوا: ما شاءَ اللَّه وما شاءَ مُحمَّدٌ"؛ فهذه الرِّوايةُ تُوضِّحُ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يَجِدُ في نفْسِه شيئًا من قولِهم هذا، ولكنَّه كان يَستحيي مِن الناسِ أن يُكلِّمَهم فيها لعَلَّهم لا يقولونها مرَّةً أخرى، أو على أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم عدَّها عابرةً وهفوةً لن تَتكرَّر، فلمَّا تَبيَّن أنَّ الأمرَ انتَشَر وشاعَ بين الناسِ، وأنَّ اليهودَ والنَّصارَى يَعدُّونها شِركًا موجودًا في دِينِ الإسلامِ؛ ناسَبَ ذلك بيانَ الحُكمِ والنَّهيَ عن ذلك، فنهاهم عن هذه الصِّيغةِ، وعلَّمهم الصِّيغةَ الشرعيَّةَ التي تَنفي الشِّركَ وتُقرِّرُ المعنى المرادَ، وهي ما شاءَ اللهُ، ثم شِئتَ
وفي الحديثِ: الحثُّ على غَلقِ كلِّ بابٍ يُؤدِّي إلى الشِّركِ وإنْ صغُرَ أمرُه
وفيه: أنَّ مَن أراد أنْ يَحلِفَ فليحلِفْ باللهِ تعالى وحْدَه