الصلاة على الصبيان
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن منصور، حدثنا سفيان، قال: حدثنا طلحة بن يحيى، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن خالتها أم المؤمنين عائشة قالت: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي من صبيان الأنصار، فصلى عليه، قالت عائشة: فقلت: طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل سوءا ولم يدركه، قال: «أو غير ذلك يا عائشة، خلق الله عز وجل الجنة وخلق لها أهلا، وخلقهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلا، وخلقهم في أصلاب آبائهم»
قَدَّر اللهُ سُبحانه وتَعالَى مَقاديرَ كلِّ شَيءٍ، وكَتَب على ابنِ آدَمَ حَظَّه في الدُّنيا والآخرةِ قبْلَ أنْ يَخلُقَه، وهي كِتابةُ عِلمٍ وإحاطةٍ بما سيَكونُ، وليْست كِتابةَ جَبرٍ وإكراهٍ، وقدْ أمَرَ سُبحانه الخلْقَ بأنْ يَعمَلوا وَفْقَ شرائعِه، ويَسَّر الأمورَ لهم، وخُيِّروا بيْنَ الإيمانِ باللهِ فيَسْعَدوا، أو الكفرِ والعِصيانِ فيَشْقُوا
وفي هذا الحديثِ تَرْوي أمُّ المؤمِنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، دُعِيَ إلى صَلاةِ جَنازةٍ على صَبيٍّ ماتَ مِنَ الأَنصارِ -وهُم أهلُ المدينةِ-، والصَّبيُّ مَن كان دونَ سِنِّ البلوغِ والتَّكليفِ، فقالتْ عائشَةُ رَضيَ اللهُ عنها: «يا رَسولَ اللهِ، طُوبى لِهَذا» أي: فَرَحٌ، وقُرَّةُ عينٍ له، وقيل: طوبى اسمُ الجنَّةِ. «عُصفورٌ» أي: هو طَيرٌ صَغيرٌ مِن عصافيرِ الجنَّةِ، فهوَ مثلُها مِن حيثُ إِنَّه لا ذَنبَ عليهِ، ويَنزلُ في الجنَّةِ حيثُ يَشاءُ؛ «لم يَعملِ السُّوءَ» أيِ: الذَّنبَ، «ولم يُدركْه» أي: ولم يَلحَقْه السُّوءُ لكَونِه مات قبْلِ سِنِّ التَّكليفِ، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أَوَغيرَ ذلكَ يا عائشَةُ؟» أي: أَتعتَقِدينَ ما قُلتِ، والحقُّ غيرُ ذلكَ، وهوَ عدمُ الجزمِ بكَونِه مِن أَهلِ الجنَّةِ، ثمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إنَّ اللهَ خَلَقَ للجنَّةِ أَهلًا» يَدخُلونَها، ويَتنعَّمونَ بِها؛ وقدْ «خَلَقَهم لَها» أي: قَدَّر ذلك في اللَّوحِ المحفوظِ «وهُم في أَصلابِ آبائِهم» جمعُ صُلبٍ، وهو وسَطُ الظَّهرِ، وهو أصلُ تكوينِ الإنسانِ، ولعلَّه يُشيرُ إلى ما جاء عندَ أبي داودَ: «إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ خَلَق آدَمَ، ثمَّ مسَحَ ظَهْرَه بيَمينِه، فاسْتَخرَجَ منه ذُرِّيَّةً، فقال: خلَقْتُ هؤلاء للجنَّةِ، وبعَملِ أهلِ الجنَّةِ يَعمَلون، ثمَّ مَسَح ظَهْرَه فاستَخرَجَ منه ذُرِّيَّةً، فقال: خَلَقتُ هؤلاء للنَّارِ، وبعَمَلِ أهلِ النَّارِ يَعمَلون»، ويَحتمِلُ أنَّه يُشيرُ إلى صُلبِ أبِ كلِّ مَولودٍ، «وخَلَق للنَّارِ أَهلًا خَلَقَهم لَها، وهُم في أَصلابِ آبائِهم» وإنَّما يَظهَرُ مِنهم منَ الأَعمالِ ما قُدِّرَ في الأَزلِ، ولعلَّ مُرادَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن هذا الحَديثِ نَهْيُها عن المُسارعةِ إلى القَطْعِ مِن غيرِ أنْ يَكونَ عِندَها دَليلٌ قاطِعٌ؛ لِما فيه مِن الحُكْمِ بالغَيبِ، والجَزْمِ بإيمانِ أصلِ الوَلَدِ؛ لأنَّها أشارَتْ إلى طِفلٍ مُعيَّنٍ، فالحُكْمُ على شَخصٍ مُعيَّنٍ بأنَّه مِن أهْلِ الجَنَّةِ لا يَجوزُ مِن غيرِ وُرودِ النَّصِّ؛ لأنَّه مِن عِلمِ الغَيبِ
وفي الحديثِ: صَلاةُ الميِّتِ على أطفالِ المسْلِمين
وفيهِ: بَيانُ عِلمِ اللهِ الأَزليِّ