القميص في الكفن 3
سنن النسائي
أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الزهري البصرى، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو، سمع جابرا، يقول: «وكان العباس بالمدينة، فطلبت الأنصار ثوبا يكسونه، فلم يجدوا قميصا يصلح عليه إلا قميص عبد الله بن أبي فكسوه إياه»
كان عَبدُ اللهِ بنُ أبَيٍّ ابنُ سَلولَ هو رأسَ المنافقِينَ في المدينةِ، وكان يُبطِنُ عَداوةَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمسلِمينَ، ولكِنْ لم يَمنَعْ ذلك النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُكافِئَه على بَعضِ الأُمورِ
وفي هذا الحَديثِ يَروي جابرُ بنُ عبدِ الله رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَرَ بِعبدِ اللهِ بنِ أُبِيٍّ بعدَما دُفِن فأُخْرِجَ مِن قبرِه، فأَجْلَسَه على رُكبتَيْه، وألْبسَه قميصَه، ونفَثَ عليه مِن ريقِه، يقولُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما: فاللهُ أعلمُ بِسببِ إِلْباسِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إيَّاه قميصَه؛ فإمَّا أنْ يكونَ فعَلَ ذلك لأنَّ ابنَ سَلولَ المنافِقَ كان قد كَسَا العبَّاسَ رَضيَ اللهُ عنه عَمَّ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَميصًا حينَ أُسِرَ يومَ بدرٍ، فأعطاهُ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَميصًا بدَلَه؛ لِئلَّا يبقَى لِكافرٍ عِندَه يدٌ، وبهذا أخبَرَ سُفْيانُ بنُ عُيَيْنةَ راوي الحديثِ أنَّهم يُرجِّحون أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَلبسَ عبدَ اللهِ قميصَه؛ مكافأةً له لِما كان كسَا العبَّاسَ رَضيَ اللهُ عنه قميصَه
ورُبَّما يكونُ فعَل ذلك؛ لأنَّ عبْدَ اللهِ بنَ عَبدِ الله بنِ أُبَيٍّ كان مُسلِمًا حسَنَ الإسلامِ، وقدْ طَلبَ مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُلبِسَ أباه المَيتَ قَميصَه الذي يَمَسُّ جِلدَه؛ ليَكونَ رَحمةً على أبيه، فاستجابَ له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إكرامًا له. وفِعلُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا كان قبْلَ نُزولِ قَولِه تعالَى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84]؛ ففي البُخاريِّ ومُسلِمٍ أنَّ هذه الآيةَ بهذا النَّهيِ نَزَلَت بعْدَ أنْ صلَّى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على عبدِ اللهِ بنِ أُبيٍّ، ولَفظُ البُخاريِّ: عن ابنِ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: «أنَّ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ لَمَّا تُوفِّيَ، جاء ابنُه إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ، أعْطِني قَميصَك أُكفِّنْه فيه، وصَلِّ عليه واستَغفِرْ له، فأعطاهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَميصَه، فقال: آذِنِّي أُصلِّي عليه، فآذَنَه، فلمَّا أرادَ أنْ يُصلِّيَ عليه جَذَبَه عمَرُ رَضيَ اللهُ عنه فقال: أليسَ اللهُ نَهاك أنْ تُصلِّيَ على المنافقينَ؟ فقال: أنا بيْن خِيَرَتَينِ؛ قال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80]. فصلَّى عليه فنَزَلَت {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84]
وفي الحديثِ: مشروعيَّةُ إخراجِ المَيتِ بعْدَ دفْنِه لسببٍ
وفيه: مشروعيَّةُ تكفينِ المَيتِ في القميصِ