النهي عن ذكر الهلكى إلا بخير
سنن النسائي
أخبرنا إبراهيم بن يعقوب، قال: حدثني أحمد بن إسحق، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثنا منصور بن عبد الرحمن، عن أمه، عن عائشة قالت: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم هالك بسوء فقال: «لا تذكروا هلكاكم إلا بخير»
مَن ماتَ مِن النَّاسِ فقدْ أفْضَى إلى رَبِّه سبحانه، وهو الذي يُحاسِبُه على أعمالِه، وقد دلَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أُمَّتَه على حُسنِ المعاملةِ معَ الأحياءِ والأمواتِ كذلك
وفي هذا الحَديثِ تَحكِي أمُّ المُؤمنِينَ عائشةُ رضي اللهُ عنها أنَّه: "ذُكِر عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم هالِكٌ"، أي: شَخصٌ ميتٌ "بسُوءٍ"، أي: ذَكَره النَّاسُ بالشَّرِّ، فقال صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لا تَذكُروا هَلْكاكم إلَّا بخيرٍ"، أي: لا تَذكُروا أمواتَكم إلَّا بالخَيرِ؛ وذلك لأنَّهم "قَدْ أفْضَوا إلى ما قَدَّمُوا"، كما قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم- كما عِندَ النَّسائيِّ وابنِ حِبَّانَ وغيرِهما عن عائِشةَ رضِيَ اللهُ عنها؛ فإنَّ ما قدَّموه مِن أعمالٍ سيُحاسبُهم الله عليها، وورى الإمامُ أحمدُ عن المغيرةِ بنِ شُعبةَ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "لا تَسبُّوا الأمواتَ فتُؤذوا الأحياءَ"، وذلك بما يَحدُث مِن حُزنِ أقاربِهم؛ فالنهيُ عن سَبِّ الأمواتِ فيه مُراعاةٌ لمصلحةِ الأحياءِ والحِفاظِ على سَلامةِ المجتمعِ من التشاحُنِ والتباغُضِ
وقد ورَد في الصَّحيحَينِ عن أنسِ بنِ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه، قال: "مرُّوا بجِنازةٍ، فأَثْنَوا عليها خيرًا، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: وجبَتْ، ثم مرُّوا بأُخرى فأَثْنَوا عليها شرًّا، فقال: وجبَتْ، فقال عُمرُ بنُ الخَطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه: ما وجبَتْ؟ قال: هذا أثنيتُم عليه خيرًا، فوجبتْ له الجنَّةُ، وهذا أثنيتُم عليه شرًّا، فوجبتْ له النارُ؛ أنتُم شُهداءُ اللهِ في الأرضِ"؛ فلم يَنهَهُم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عن ذِكْرِ الميِّتِ بالشَّرِّ، وممَّا قِيل في الجَمْعِ بَينَه وبَينَ هذا الحَديثِ: أنَّ النَّهيَ عن سَبِّ الأمواتِ هو في غَيرِ المنافقِ وسائرِ الكفَّارِ، وفي غَيرِ المتظاهرِ بفِسقٍ أو بِدعةٍ، فأمَّا المنافِقُ والكافِرُ وصاحِبُ البِدعةِ فلا يَحرُمُ ذِكرُهم بالشَّرِّ؛ للتَّحذيرِ مِن طَريقتِهم، ومن الاقتِداءِ بآثارِهم، والتَّخلُّقِ بأخلاقِهم، ومنه ذلِك الحديثُ الَّذي أثنَوْا على الميِّتِ فيه شرًّا؛ لأنَّه كان مَشهورًا بنِفاقٍ، أو نحوِه؛ إذَن فالدَّاعي لذِكرِ الأمواتِ بالشَّرِّ هو حاجةٌ شَرعيَّةٌ إلى جَرْحِه