الوقوف للجنائز 1

سنن النسائي

الوقوف للجنائز 1

أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن يحيى، عن واقد، عن نافع بن جبير، عن مسعود بن الحكم، عن علي بن أبي طالب، أنه ذكر القيام على الجنازة حتى توضع، فقال علي بن أبي طالب: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد»

أكَّدَ الإسْلامُ بشَريعتِه السَّمحةِ على قِيمةِ النَّفْسِ الإنْسانيَّةِ منذُ مَوْلدِها حتَّى مَوتِها، وجعَلَ لها مَكانةً ساميةً، تتَجَلَّى في تلك الأحْكامِ الَّتي اختَصَّتْ بها حتَّى بعدَ مُفارَقةِ الحَياةِ، ويَظهَرُ هذا في صُورةٍ واضِحةٍ جَليَّةٍ في اهْتِمامِ الإسْلامِ بجَنائزِ المَوْتى، ودَفْنِها، ونَقْلِها إلى القَبرِ والبَرزَخِ؛ ليَنتظِرَ صاحبُ القَبرِ يومَ القِيامةِ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ واقدُ بنُ عَمرِو بنِ سَعدِ بنِ مُعاذٍ أنَّ التَّابعيَّ نافعَ بنَ جُبيرٍ رآهُ وهو في جِنازةٍ -وهو اسمٌ للميِّتِ في النَّعشِ- واقفًا لأجْلِ الجِنازةِ، بيْنَما كان نافعُ بنُ جُبيرٍ «قدْ جلَسَ يَنتظِرُ أنْ تُوضعَ الجِنازةُ» في قَبرِها، فسَألَه نافعُ بنُ جُبَيرٍ عن سببِ وُقوفِه على قَدمَيْه، استِفهامَ إنْكارٍ، فأجابَه واقدُ بنُ عَمرِو: أنَّه يَنتظرُ أنْ تُوضَعَ الجِنازةُ، وذلك بسببِ الحَديثِ الَّذي رَواه أبو سَعيدٍ الخُدْريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «إِذَا اتَّبَعْتُم جِنازةً فَلا تَجْلِسُوا حَتى تُوضَعَ» رَواهُ البُخاريُّ ومسلِمٌ، فرَدَّ عليه نافعٌ مُعلِّلًا قُعودَه بما رَواهُ مَسعودُ بنُ الحَكمِ، عن عَليِّ بنِ أَبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنهما، أنَّه رَوى أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يقومُ ويقِفُ للجِنازةِ في أوَّلِ الأمْرِ، ثُمَّ بعدَ ذلك قعَدَ وترَكَ القِيامَ للجِنازةِ، ويَحتمِلُ قَولُ عَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه: «ثُمَّ قعَدَ»، أي: قعَدَ بَعدَ أنْ جاوَزتْه الجِنازةُ وبَعُدَت عنهُ
ومُقْتَضى الأحاديثِ الوارِدةِ في قيامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ للجِنازةِ وجُلوسِه، تُبيِّنُ أنَّ الجُلوسَ ناسخٌ لقيامِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقيلَ: إنَّه ليس بنَسخٍ، ولكنْ هو للدَّلالةِ على أنَّ القِيامَ ليس حَتْمًا