باب: المكان الذي ترمى منه جمرة العقبة 1
سنن النسائي
أخبرنا هناد بن السري، عن أبي محياة، عن سلمة بن كهيل، عن عبد الرحمن يعني ابن يزيد، قال: قيل لعبد الله بن مسعود: إن ناسا يرمون الجمرة من فوق العقبة، قال: «فرمى عبد الله من بطن الوادي» ثم قال: «من ها هنا، والذي لا إله غيره رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة»
كان الصَّحابةُ حَريصينَ على التمسُّكِ بسُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وتَعليمِها للنَّاسِ قولًا وفِعلًا، ومِن الأمثلةِ الظَّاهرةِ على ذلك فِعْلُهم في مَناسِكِ الحجِّ
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ يزيدَ: قيل للصَّحابيِّ الجليلِ عَبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه- وهو مِن المهاجِرين الأُوَلِ، ومِن فُقهاءِ الصَّحابةِ وقُرَّائِهم الَّذين أوصى النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أن يُؤخَذَ القرآنُ مِنهم-: "إنَّ ناسًا يَرمون الجَمرةَ مِن فوقِ العقَبةِ؟"، وهذا السُّؤالُ كأنَّه استِنكارٌ لفِعْلِهم؛ لِرَميِهم جمرةَ العقَبةِ الكبرى مِن فوقِ العَقبةِ، خِلافًا للسُّنَّةِ، والعقَبةُ حَدُّ مِنًى مِن جِهةِ مَكَّةَ، وقد بايع النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فيها الأنصارَ على الهجرةِ لَمَّا كان بمكَّةَ، ولم يُهاجِرْ للمدينةِ بعدُ
قال راوي الحَديثِ: "فرَمى عبدُ اللهِ مِن بطْنِ الوادي"، أي: رمَى ابنُ مسعودٍ مِن أسفَلِ الوادي خِلافًا لهم، "ثمَّ قال: مِن هاهنا والَّذي لا إلهَ غيرُه، رمَى الَّذي أُنزِلَتْ عليه سورةُ البقَرةِ"، أي: رمى النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كما فعَلتُ لكم مِن أسفَلِ الوادي، وليس مِن فوقَ، وخصَّ ابنُ مَسعودٍ سورةَ البقرةِ في هذا الموضِعِ؛ قيل: لأنَّ أفعالَ الحجِّ مَذكورةٌ فيها، أو لِعَظيمِ قدْرِها. وقيل: للوقوفِ عندَ الجمرةِ للدُّعاءِ ونَحوِه، بقَدْرِ سورةِ البقرةِ
وفي الحَديثِ: الحِرصُ على مُراعاةِ أفعالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وهيئتِه في العِباداتِ
وفيه: التَّعليمُ بالقولِ والفعلِ كما فعَل ابنُ مسعودٍ رَضِي اللهُ عَنه