باب

باب

حدثنا محمد بن كثير أخبرنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة قال غزوت مع زيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة فوجدت سوطا فقالا لى اطرحه. فقلت لا ولكن إن وجدت صاحبه وإلا استمتعت به فحججت فمررت على المدينة فسألت أبى بن كعب فقال وجدت صرة فيها مائة دينار فأتيت النبى -صلى الله عليه وسلم- فقال « عرفها حولا ». فعرفتها حولا ثم أتيته فقال « عرفها حولا ». فعرفتها حولا ثم أتيته فقال « عرفها حولا ». فعرفتها حولا ثم أتيته فقلت لم أجد من يعرفها. فقال « احفظ عددها ووكاءها ووعاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها ». وقال ولا أدرى أثلاثا قال « عرفها ». أو مرة واحدة.

اهتم الإسلام اهتماما بالغا بحفظ أموال الناس، وحرص حرصا شديدا على عدم ضياعها؛ ولذا وضع ضوابط وحد حدودا تحفظ لكل إنسان ماله
وفي هذا الحديث بيان ما ينبغي للمسلم فعله إذا وجد شيئا لا يعرف صاحبه، حيث يخبر التابعي سويد بن غفلة أنه وجد سوطا ملقى على الأرض فأخذه -والسوط: آلة تتخذ للضرب تصنع من الجلد- وكان معه حينئذ التابعي سلمان بن ربيعة -ويقال: إن له صحبة-، والتابعي زيد بن صوحان، وكانوا جميعا في غزوة، فقالا له: ألقه، أي: اتركه ولا تلتقطه، فرفض سويد بن غفلة، وقال: إن وجدت صاحبه دفعته إليه، وإلا استمتعت به، يعني: إن لم أجد صاحبه سآخذه وأستعمله
فلما رجعوا من الغزو حجوا، فمروا بالمدينة المنورة، فرأى سويد الصحابي أبي بن كعب رضي الله عنه، فسأله عن حكم التقاط السوط، فأخبره أبي رضي الله عنه أنه وجد صرة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فيها مئة دينار من ذهب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «عرفها حولا»، أي: أخبر الناس بأنك وجدت شيئا، كأن ينادي: من ضاع له شيء فليطلبه عندي، ويكون ذلك في الأسواق ومجامع الناس وأبواب المساجد عند خروجهم من الجماعات ونحوها، في الأماكن التي يغلب على ظنه وجود صاحبها فيه، ويبقيها عنده مدة سنة، حتى يأتي صاحبها ويسأل عنها. فعرفها أبي رضي الله عنه ولم يأت صاحبها، فلما انقضت السنة ذهب أبي بن كعب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له مرة ثانية: «عرفها حولا»، فعرفها فلم يجد صاحبها، ثم بعد انقضاء العام الثاني أتاه، فقال له مرة ثالثة: «عرفها حولا»، فعرفها فلم يجد صاحبها، وبعد انتهاء العام الثالث ذهب إليه أبي رضي الله عنه مرة رابعة، فقال له صلى الله عليه وسلم: «اعرف عدتها، ووكاءها»، وهو الخيط الذي يربط به الوعاء، فإن جاء صاحبها وذكر هذه الأمارات علمت أنها له، فيأخذها، وإن لم يأت فهي لك تستمتع بها كيف شئت
قال شعبة بن الحجاج أحد رواة الحديث: فلقيته -يعني: شيخه سلمة بن كهيل- بمكة، فقال سلمة: لا أدري أثلاثة أحوال أو حولا واحدا
وقيل في الجمع بين حديث أبي هذا وحديث زيد بن خالد -في الصحيحين- الذي فيه الاقتصار في التعريف على سنة واحدة: إن حديث أبي بن كعب رضي الله عنه يحمل على مزيد الورع عن التصرف في اللقطة، والمبالغة في التعفف عنها، ويحمل حديث زيد على ما لا بد منه
وفي الحديث: مراعاة الإسلام لكل أمور الحياة التي يهتم لها الإنسان وتدخل في حياته، سواء بقصد أو بغير قصد