باب أجر الأجراء 1

سنن ابن ماجه

باب أجر الأجراء 1

حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا يحيى بن سليم، عن إسماعيل بن أمية، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا، فاستوفى منه ولم يوفه أجره" (1).

في هذا الحَديثِ بَيانٌ لبعْضِ الأُمورِ التي لا ينْبَغي أنْ يَقَعَ فيها المُسْلمُ حتَّى لا يَضَعَ نفْسَه في خُصومةٍ مع اللهِ سُبْحانَه يومَ القِيامةِ، فيُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّمَ عن المَوْلى عَزَّ وجَلَّ أنَّه قالَ: "ثَلاثةٌ أنَا خَصْمُهم يومَ القِيامةِ"، أي: ثَلاثةُ أصْنافٍ مِن النَّاسِ يَفْعَلُون مِن الأفْعالِ ما يَسْتَوجبُ خُصومةَ اللهِ تَعالى يومَ القِيامةِ، "ومَن كنتُ خَصْمَه خَصَمْتُه" بمعْنى: أنَّ مَن كان خَصْمًا ضِدَّ اللهِ سُبْحانَه غَلَبَه اللهُ سُبْحانَه لا مَحالةَ، وهؤلاء الأصْنافِ أوَّلُهم: "رَجُلٌ أَعْطى بي"، أي: حَلَفَ بِاسْمي وعاهَدَ، أو أَعْطى الأمانَ بِاسْمي وبما شَرَعْتُه مِن دِيني، كأنْ يَقولَ للمُسْتجيرِ: لك ذِمَّةُ اللهِ أو عَهْدُ اللهِ، "ثُمَّ غَدَرَ" بأنْ نَقْضَ العَهْدِ الذي عاهَدَ عليْه، لأنَّه جَعَلَ اللهَ كَفيلًا له فيما لَزِمَه مِن وَفاءِ ما أَعْطَى؛ فالذي أعْطَى العهدَ أو الأمانَ أصبحَ في خُصومةٍ مع اللهِ عزَّ وجلَّ لغَدرتِه التي غدَرَها تحلُّ ويلاتُها عليه يومَ القِيامةِ. "ورَجُلٌ باعَ حُرًّا"، وهو يَعْلَمُ أنَّه حُرٌّ، "فأَكَلَ ثَمَنَه"، أي: فأَخَذَ ثَمَنَ بَيْعِه للحُرِّ وهو يَعْلَمُ، وإنَّما عَظُمَ الإثْمُ فيمَنْ باعَ حُرًّا؛ لأنَّ المُسْلِمين أَكْفَاءٌ في الحُرْمةِ والذِّمَّةِ، وللمُسْلمِ على المُسْلمِ أنْ يَنصُرَه ولا يَظلِمَه، وأنْ يَنصَحَه ولا يُسْلِمَه، وليس في الظُّلمِ أعْظمُ مِن أنْ يَستَعبِدَه أو يُعَرِّضَه لذلك، ومَن باعَ حُرًّا فقد مَنَعَه التَّصرُّفَ فيما أباحَ اللهُ له، وأَلْزَمَه حالَ الذِّلَّةِ والصَّغارِ، فهو ذَنْبٌ عظيمٌ لذلك. والثَّالثُ "ورَجُلٌ اسْتأْجرَ أَجيرًا فاسْتَوْفى منه"، حيثُ اسْتَوْفى منه العَمَلَ الذي اسْتأْجرَه مِن أَجْلِه كاملًا، "ولم يُوَفِّه أَجْرَه"، فلم يُعْطِه أَجْرَه؛ وخُصومَةُ اللهِ لهذا الآكِلِ حقَّ الأَجيرِ لأنَّ الأَجيرَ وَثِقَ بأَمانَةِ المُؤَجِّرِ، فإنْ خانَ الأَمانَةَ تَولَّى اللهُ جَزاءَه. وكلُّ هذا تَحْذيرٌ شَديدٌ للنَّاسِ؛ حتى لا يَقَعُوا في هذه الأُمورِ، بل يَفْعَلوا عَكْسَها؛ فَيُوفوا بالعُهودِ، ويَحْفَظوا حُرْمةَ الأحْرارِ مِن النَّاسِ، ويُؤَدُّوا حُقوقَ الأُجَراءِ.