باب أحب الدين إلى الله أدومه
بطاقات دعوية
عن عائشة أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - دخلَ عليها وعندَها امرأةٌ [من بني أَسَدٍ ]، فقالَ: مَن هذهِ؟ قالت: فُلاَنةُ [لا تنامُ منَ الليلِ]، تَذْكُرُ من صَلاَتِها، قالَ: " مَهْ! عليكم بِما تُطِيقونَ [مِنَ الأَعمالِ]، فوالله لا يَمَلُّ الله (وفي روايةٍ: فإن الله لا يملُّ) حتى تَمَلُّوا، وكانَ أَحَبَّ الدِّينِ إليهِ ما داوَمَ عليهِ صاحِبُه".
جعَلَ اللهُ تعالَى الأعمالَ الصَّالحةَ مُتفاضِلةً، وأفضَلُها هي التي يَستمِرُّ عليها صاحِبُها ويُداوِمُ عليها.
عليكم ما تُطِيقون، أي: أدُّوا منها ما في استطاعتِكم؛ وهذا أمرٌ عامٌّ لا يختَصُّ بالصَّلاةِ، بل في جميعِ أعمالِ البِرِّ، وعليه يكونُ المعنى: فاشتَغِلوا مِن الأعمالِ بما تَستطيعون المُداوَمةَ عليه، وافعَلوا ما تَقدِرون عليه مِن الصِّيامِ والقيامِ، ولا تَشُقُّوا على أنفُسِكم؛ «فإنَّ اللهَ لا يَمَلُّ حتَّى تَمَلُّوا»، أي: فإنَّ اللهَ لا يَمَلُّ مِن ثَوابِك حتَّى تَمَلَّ مِن العَمَلِ، «وإنَّ أَحَبَّ الأعمالِ إلى اللهِ»، أي: التي تُقرِّبُ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وتكونُ سَببًا في نَيلِ فَضلِهِ وثَوابِهِ «ما دام» واستَمرَّ في حَياةِ العامِلِ، «وإنْ قَلَّ»؛ لأنَّه يَستمِرُّ، بخلافِ الكثيرِ الشَّاقِّ، فالمواظَبةُ على العملِ القليلِ أمْرٌ حسَنٌ؛ لأنَّها تُكَثِّرُها، وتَجعَلُ صاحِبَها دائمَ الصِّلةِ بالعمَلِ الصَّالحِ.
وقولُه: «فَوَاللهِ لا يَمَلُّ اللهُ حتَّى تَمَلُّوا».
في هذا دَليلٌ على إثباتِ صِفةِ المَلَلِ للهِ تعالَى، لكنَّ ملَلَ اللهِ ليس كمَلَلِ المخْلوقِ؛ فمَلَلُ المَخلوقِ نقْصٌ؛ لأنَّه يدُلُّ على سَأَمِه وضَجَرِه مِن هذا الشَّيءِ، أمَّا مَلَلُ اللهِ فهو كَمالٌ وليس فيه نقْصٌ، وهو كسائرِ الصِّفاتِ التي نُثبِتُها للهِ على وَجْهِ الكمالِ، وإنْ كانت في حقِّ المَخلوقِ ليست كَمالًا.
ومِن العُلماءِ مَن قال أنه يُرادُ به بَيانُ أنَّه مهْما عَمِلْتَ مِن عمَلٍ فإنَّ اللهَ يُجازِيك عليه، فاعمَلْ ما بَدَا لك؛ فإنَّ اللهَ لا يَمَلُّ مِن ثَوابِك حتَّى تَمَلَّ مِن العمَلِ.
ومنهم من قال أن هذا لا يَستلزِمُ ثُبوتَ المَلَلِ للهِ عزَّ وجلَّ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ شَفقتِه ورَأفتِه بأُمَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه: أنَّ العَملَ القليلَ الدَّائمَ خَيرٌ مِن الكثيرِ المُنقطِعِ.
وفيه: الحثُّ على الاقتصادِ في العبادةِ واجتنابِ التعَمُّقِ.