باب أداء الدين عن الميت 1
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرني عبد الملك أبو جعفر، عن أبي نضرة
عن سعد بن الأطول: أن أخاه مات، وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالا، فأردت أن أنفقها على عياله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن أخاك محتبس بدينه، فاقض عنه. فقال: يا رسول الله قد أديت عنه، إلا دينارين، ادعتهما امرأة وليس لها بينة، قال: "فأعطها، فإنها محقة" (1).
أمَرَ الشَّرعُ الحَكيمُ بالحِرصِ على أداءِ الحُقوقِ، وعدَمِ أكلِ أموالِ النَّاسِ بالباطلِ، والوفاءِ بالدَّينِ، وبيَّنَ أنَّ عدَمَ أداءِ حُقوقِ النَّاسِ سَببٌ للمنْعِ من دُخولِ الجنَّةِ، وخاصَّةً الدَّيونَ.
وفي هذا الحديثِ يُخْبِرُ سعدُ بنُ الأطولِ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ أخاه مات وترَكَ"، أي: ميراثًا يبلُغُ "ثلاثَ مِئةِ دِرهمٍ، وترَكَ عِيالًا؛ فأردْتُ أنْ أُنْفِقَها على عِيالِه، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أخاك مُحتبَسٌ بدَينِه"، أي: مَحبوسٌ ومَمنوعٌ عن دُخولِ الجنَّةِ بسَببِ الدُّيونِ، "فاقْضِ عنه"، أي: فأدِّ عنه دَينَه، وهذا يُوضِّحُ أنَّ ذِمَّةَ الميِّتِ مَشغولةٌ بالدَّينِ أمامَ اللهِ وتُثْقِلُ كاهلَه، فقال سعدٌ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "يا رسولَ اللهِ، قد أدَّيْتُ عنه"، أي: قَضيتُه له، ووفَّيتُ للدَّائنينَ بدَينِهم، "إلَّا دِينارينِ ادَّعتْهما امرأةٌ وليس لها بيِّنةٌ"، أي: ما يثبُتُ لها هذا الدَّينُ بشُهودٍ أو كِتابةٍ، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فأَعْطِها؛ فإنَّها مُحقَّةٌ"، أي: مُحِقَّةٌ في ادِّعائها، ولعلَّه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حكَمَ بعلْمِه أو بوَحيٍ.
وقد ورَدَ في الصَّحيحينِ: أنَّه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يتورَّعُ ويمتنِعُ عن الصَّلاةِ على الرَّجلِ الَّذي عليه دَينٌ حتَّى يُقْضَى عنه دَينُه؛ فالنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانت صلاتُه شَفاعةً عَظيمةً للمُؤمنينَ، ومع ذلك امتنَعَ عن الصَّلاةِ عليه؛ لأنَّ حقَّ المخلوقِ لا يُكفِّرُه الاستِغفارُ، وإنَّما وردَتِ الأخبارُ في التَّشديدِ في الدَّينِ؛ حتَّى لا تضيعَ حقوقُ الناسِ، وقد جاءَ ما يدلُّ على نَسْخِ عدمِ صلاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم على المَدينِ، وذلك فيما رواه الترمذيُّ عن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم "كان يُؤتَى بالرَّجُلِ المتوفَّى عليه الدَّينُ، فيقولُ: هل ترَكَ لدَينِه مِن قَضاءٍ؟ فإنْ حُدِّثَ أنَّه ترَكَ وفاءً صلَّى عليه، وإلَّا قال للمُسلِمينَ: صلُّوا على صاحبِكم، فلمَّا فتَحَ اللهُ عليه الفُتوحَ قام فقال: أنا أَوْلَى بالمؤمنينَ من أنفُسِهم؛ فمَن تُوفِّي مِن المُسلِمينَ فترَك دَينًا عليَّ قَضاؤُه، ومَن ترَك مالًا فهو لوَرثتِه".
وعند ابنِ ماجَه، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "مَن مات وعليه دِينارٌ أو دِرهمٌ، قُضِيَ من حَسناتِه، ليس ثَمَّ دِينارٌ ولا درهمٌ"، أي: لا يُوجَدُ يومَ القِيامةِ دِينارٌ ولا دِرهمٌ، ولكنْ يُقْضَى بالحسناتِ والسَّيِّئاتِ، وهذا محمولٌ على الذي يُقصِّرُ في الوفاءِ، أو يَستدينُ لأجلِ المعصيةِ.
وفي الحديثِ: التَّغليظُ والتَّشديدُ في أمرِ قَضاءِ الدُّيونِ، وأنَّ المُؤمنَ يُمْنَعُ من دُخولِ الجنَّةِ بسبَبِ عدَمِ قَضاءِ دَينِه.
وفيه: أنَّ على وَليِّ الميِّتِ أنْ يُسرِعَ في قَضاءِ دُيونِ الميِّتِ ممَّا ترَكَه من مالٍ، أو يتحمَّلُه إنْ كان غنيًّا.