باب أشراط الساعة3

سنن ابن ماجه

باب أشراط الساعة3

حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الله بن العلاء، حدثني بسر بن عبيد الله، حدثني أبو إدريس الخولاني
حدثني عوف بن مالك الأشجعي، قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في غزوة تبوك، وهو في خباء من أدم، فجلست بفناء الخباء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادخل يا عوف" فقلت: بكلي يا رسول الله؟ قال: "بكلك" ثم قال: "يا عوف، احفظ خلالا ستا بين يدي الساعة: إحداهن موتي" قال: فوجمت عندها وجمة شديدة، فقال: "قل: إحدى، ثم فتح بيت المقدس، ثم داء يظهر فيكم يستشهد الله به ذراريكم وأنفسكم، ويزكي به أموالكم، ثم تكون الأموال فيكم، حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، وفتنة تكون بينكم لا يبقى بيت مسلم إلا دخلته، ثم تكون بينكم وبين بني الأصفر هدنة، فيغدرون بكم، فيسيرون إليكم في ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا" (1)

بيَّنَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علاماتِ السَّاعةِ وأشراطَها الَّتي تحدُثُ قبلَها، وتكونُ دَلالةً على قُربِ قِيامِها.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عوفُ بنُ مالكٍ الأشجعيُّ رضِيَ اللهُ عنه: "أتيتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو في غَزوةِ تَبوكَ، وهو في خِباءٍ من أَدَمٍ"، أي: في خَيمةٍ أو قُبَّةٍ، وهو بِناءٌ مُستديرٌ، والأدمُ: هو الجِلدُ المَدبوغُ، وكانت تبوكُ آخِرَ غَزوةٍ خرَجَ فيها رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بنفْسِه، وكانت في آخرِ ذي القعدةِ مِن سَنةِ ثَمانٍ من الهِجرةِ، وكانت مع الرُّومِ، وتبوكُ في أقصى شَمالِ الجزيرةِ العربيَّةِ في مُنتصَفِ الطَّريقِ إلى دِمشقَ، قال عوفٌ: "فجلَسْتُ بفَناءِ الخِباءِ"، أي: أمامَ مَدخلِ الخيمةِ الَّتي فيها رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفي روايةِ أحمدَ: "أتيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فسلَّمْتُ عليه"، فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ادخُلْ يا عوفُ، فقلْتُ: بكُلِّي يا رسولَ اللهِ"؟ أي: بجِسمِي كلِّه أمْ بجُزءٍ منه؛ وذلك لصِغَرِ الخِباءِ الَّذي كان فيه رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "بكُلِّك. ثمَّ قال: يا عوفُ، احفَظْ خِلالًا سِتًّا بين يديِ السَّاعةِ "، أي: سِتَّ خِصالٍ هم علاماتٌ تكونُ قبلَ قيامِ السَّاعةِ، "إحداهنَّ"، أي: أولُهنَّ، "مَوْتي"، أي: موتُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال عوفٌ: "فوجَمْتُ عندها وَجْمةً شَديدةً"، أي: دخَلَ عليَّ من الهَمِّ والحُزنِ لإخبارِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لي بموتِه، فقال له النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "قلْ: إحْدَى"، أي: اعدُدِ العلاماتِ وقُلْ: هذه هي الأُولى. والثَّانيةُ: "ثمَّ فتْحُ بيتِ المقدِسِ"، وقد تَمَّ ذلك في عَهدِ عمرَ بنِ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه. والثَّالثةُ: "ثمَّ داءٌ يَظهَرُ فيكم يَستشهِدُ اللهُ به ذَراريَّكم"، أي: أولادَكم، "وأنفُسَكم" وقد حدَثَ هذا في طاعونِ عَمواسٍ، حيث مات منه سَبعونَ ألفًا في ثلاثةِ أيَّامٍ، "ويُزَكِّي به أعمالَكم"، أي: يكونُ هذا الدَّاءُ والوباءُ العامُّ رَحمةً مِن اللهِ لكم، حيث يُطهِّرُكم به ويرفَعُ به أعمالَكم وأُجورَكم. والرَّابعةُ: "ثمَّ تكونُ الأموالُ فيكم"، أي: تكثُرُ الأموالُ، "حتَّى يُعْطى الرَّجلُ مِئةَ دينارٍ، فيظَلَّ ساخطًا"، أي: غيرَ راضٍ؛ لأنَّه يستقِلُّها. والخامسةُ: "وفِتنةٌ تكونُ بينكم لا يَبْقى بَيتٌ مُسلمٌ إلَّا دخَلَتْه"، أي: اختبارٌ وابتلاءٌ لا يَبْقى بَيتٌ من العربِ إلَّا دخَلَتْه، وانتشَرَتْ فيه؛ قيل: وهذه الفِتْنةُ هي فِتنةُ قَتْلِ عُثْمَانَ رضي الله عنه، وقيلَ: هي الفِتنةُ الَّتي وقعَتْ بين عليٍّ ومُعاوِيَةَ رضي الله عنهُما؛ فقد عمَّ شرُّها ودخَلَ بُيوتَ العَربِ والمسلِمينَ، وافتَرَق فيها المُسلِمونَ فِرْقَتينِ، والسَّادسةُ: "ثمَّ تكونُ بينكم وبين بني الأصفرِ" وهم الرُّومُ "هُدنةٌ"، أي: صُلْحٌ على تَركِ القِتالِ بعد التَّحرُّكِ فيه، "فيغْدِرونَ"، أي: يَنقُضُ الرُّومُ الهُدنةَ، "فيَسيرونَ إليكم في ثَمانينَ غايةٍ، تحت كلِّ غايةٍ اثنا عشَرَ ألفًا"، والغايةُ هي الرَّايةُ، وتحت كلِّ رايةٍ اثنا عشَرَ ألفًا من الجُنودِ.
وفي الحديثِ: عَلامةٌ مِن علاماتِ النُّبوَّةِ.