باب أكل الثوم والبصل والكراث1

سنن ابن ماجه

باب أكل الثوم والبصل والكراث1

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد الغطفاني، عن معدان بن أبي طلحة اليعمريأن عمر بن الخطاب قام يوم الجمعة خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس، إنكم تأكلون شجرتين، لا أراهما إلا خبيثتين: هذا الثوم وهذا البصل، ولقد كنت أرى الرجل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوجد ريحه منه، فيؤخذ بيده حتى يخرج به إلى البقيع، فمن كان آكلهما لا بد، فليمتهما طبخا (1

حَرصَ الإسلامُ على أنْ يكونَ المسلمُ طَاهِرًا وطيِّبًا حِسِّيًّا ومعنويًّا، كما راعَى العَلاقاتِ بينَ الناسِ، فحَثَّ على ألَّا يُؤْذِيَ المسلمُ إخوانَه بما قَبُحَ من المناظرِ أو الهَيئاتِ أو الرَّوائحِ الكريهةِ، أيَّا كانَ سببُها. ... وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ مَعْدانُ بنُ أبي طَلْحةَ اليَعْمُريُّ: "أنَّ عُمرَ بنَ الخطَّابِ قام يومَ الجمعةِ خَطيبًا- أو خطَب يومَ الجُمعةِ-، فحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه"، أي: قال مُقدِّمةَ الخُطبةِ مِن الحمدِ والشُّكرِ للهِ، وذكَره بما هو أهلُه معَ الشَّهادتَين، ثمَّ قال: "يا أيُّها النَّاسُ، تَأكُلون شجَرتَين لا أُراهما إلَّا خَبيثَتَينِ"، أي: كَريهتَينِ، " هذا الثُّومُ وهذا البصَلُ"، وخُبثُهما في رائحتِهما النَّفَّاذةِ وغيرِ المقبولةِ، "لقَد رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إذا وجَد ريحَهما مِن الرَّجُلِ في المسجِدِ أمَر به فأُخرِجَ إلى البَقيعِ قيل: إنَّ إخراجَه مِن المسجِدِ إنَّما هو على وجهِ التَّأديبِ له، والبَقيعُ: مَقابِرُ أهلِ المدينةِ على الجِهَةِ الشَّرقيَّةِ مِن المسجدِ النَّبويِّ، "فمَن أكَلَهما"، أي: أراد أكْلَ الثُّومِ أو البصَلِ، "فَلْيُمِتْهُما طبخًا"، أي: لِيُزِلْ رائحتَهما الكريهةَ بالطَّبخِ. وفي سُننِ ابنِ ماجَهْ عن عُقبةَ بنِ عامِرٍ الجُهَنيِّ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال لأصحابِه: "لا تَأكُلوا البصَلَ", ثمَّ قال كلمةً خفيَّةً: "النِّيءَ"، والنَّهيُ عن أكلِ الثُّومِ والبصَلِ ليس نَهيًا عنهما بذاتِهما، ولكنْ مِن أجْلِ تَأذِّي غيرِ الآكِلِ برائحتِها؛ ولهذا إذا طُبِخَت حتَّى ذهَب ريحُها فلا بأسَ، كما في مُسلِمٍ مِن حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِي اللهُ عنه في فتحِ خَيبَرَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم قال: "مَن أكَل مِن هذه الشَّجرةِ الخبيثةِ شيئًا فلا يَقرَبَنَّا في المسجدِ"، فقال النَّاسُ: حُرِّمَت، حُرِّمَت، فبَلَغ ذلك النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال: "أيُّها النَّاسُ، إنَّه ليس بي تحريمُ ما أحَلَّ اللهُ لي، ولكنَّها شجرةٌ أكرَهُ ريحَها"، فتبَيَّن بهذا أنَّ البصَلَ والثُّومَ حلالٌ، وليسَا مُحرَّمتَينِ ولا مَكروهتَينِ، ولكنَّ الكراهةَ مِن جهةِ رِيحِهما، فإذا أكَل ما يُزيلُ ريحَهما زالَتِ الكَراهةُ، ومِثلُ ذلك كلُّ ما له رَوائِحُ نفَّاذةٌ مِن البُقولِ والخَضْراواتِ، وما يُسبِّبُ التَّجشُّؤَ والانتفاخَ.