باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر وصفاتهم وأزواجهم

بطاقات دعوية

باب أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر وصفاتهم وأزواجهم

حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم، على أشد كوكب دري في السماء إضاءة؛ لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة الأنجوج عود الطيب وأزواجهم الحور العين على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء

كان النبي صلى الله عليه وسلم يصف الجنة وما فيها من النعيم؛ حثا للناس على الاجتهاد في الطاعات حتى ينالوا الجنة، كما كان يبين أسباب الأسبقية في دخولها
وفي هذا الحديث يصف النبي صلى الله عليه وسلم أهل الجنة جميعا بالحسن والجمال، وأنهم يتفاوتون في ذلك حسب درجاتهم وأعمالهم؛ فأول طائفة تدخل الجنة تكون كالقمر ليلة البدر، وهي ليلة الرابع عشر حين تكمل استدارته، ويتم نوره، فيكون أكثر إشراقا، وأعظم حسنا وبهاء. وفي رواية عند البخاري: «يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر»
أما الطائفة الثانية فإنها تشبه في صورتها أقوى الكواكب نورا وضياء، وقد ورد في هذا المعنى ما يقتضي ما هو أبلغ من ذلك؛ فروى الترمذي من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مرفوعا: «لو أن رجلا من أهل الجنة اطلع، فبدا أساوره؛ لطمس ضوء الشمس، كما تطمس الشمس ضوء النجوم»
أما صفاتهم النفسية والخلقية، فهم كما وصفهم صلى الله عليه وسلم: على قلب رجل واحد، أي: في غاية الاجتماع والاتفاق، حتى كأن قلوبهم جميعا قلب واحد، لا اختلاف بينهم ولا تباغض؛ فإن نفوسهم صافية نقية خالية من العداوة والبغضاء، عامرة بالحب والمودة؛ لطهارة قلوبهم عن الأخلاق الذميمة، وفي رواية مسلم: «ثم هم بعد ذلك منازل»؛ أي: إن درجاتهم في إشراق اللون متفاوتة بحسب علو درجاتهم، وتفاوت فضلهم
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن لكل واحد منهم زوجتين، وفي الصحيحين: «أنهما من الحور العين»، وأنهما في غاية الحسن والصفاء، حتى إنه يرى الرائي مخ ساقها من وراء اللحم؛ من الحسن، فهي -لصفاء جسدها، ورقة بشرتها- جسم شفاف يكشف عما بداخله، فيرى الناظر إليها مخ عظام ساقها من وراء لحمها؛ قال تعالى: {كأنهن الياقوت والمرجان} [الرحمن: 58]
ثم أخبر صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة يسبحون الله بكرة وعشيا، أي: في أول النهار وآخره متلذذين بالتسبيح، والمراد أنهم يسبحون في وقتهما؛ وإلا فلا بكرة في الجنة ولا عشية، أما هذا التسبيح فإنه ليس عن تكليف؛ وإنما يلهمونه كما يلهمون النفس
ولا يمرضون فيها، ولا يمتخطون ولا يبصقون؛ لأن الله طهر أهل الجنة من هذه الأقذار، وبعض آنيتهم من فضة، وبعضها من ذهب، وأمشاطهم من الذهب الخالص، ووقود مجامرهم الألوة؛ يعني أن بخورهم الذي تتقد به مجامرهم هو العود الهندي، الذي هو من أطيب الطيب وأزكى البخور، ورشحهم الذي يعرقونه هو المسك، فالطعام الذي يأكلونه يخرج منهم عرقا تفوح منه رائحة زكية كرائحة المسك، كما جاء في حديث مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأكل أهل الجنة فيها ويشربون، ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يبولون، ولكن طعامهم ذلك جشاء كرشح المسك»
وفي الحديث: أن أهل الجنة يتنعمون بكل مظاهر النعيم والترف
وفيه: أن الجنة مطهرة عن الأقذار
وفيه: دليل على دخول أهل الجنة إليها جماعة بعد جماعة، وقد صرح به في قوله تعالى: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا} [الزمر: 73]