باب أي الصدقة أفضل 5

سنن النسائي

باب أي الصدقة أفضل 5

 أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا الليث، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ألك مال غيره» قال: لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يشتريه مني»، فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمان مائة درهم، فجاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعها إليه، ثم قال: " ابدأ بنفسك، فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء عن أهلك، فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا، وهكذا يقول: بين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك "

رتَّبَ الإسلامُ أولويَّاتِ الناسِ في النَّفقةِ والصَّدقةِ، وعلَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك؛ حتى تَسِيرَ الحياةُ بصُورةٍ طيِّبةٍ، ولا يُظلَمُ فيها أحدٌ، ولا تَضطرِبُ الحُقوقُ والواجباتُ عندَ الناسِ

وهذا المتنُ جُزءٌ مِن حديثٍ عندَ مسلمٍ، وله قصَّةٌ يَرْويها جابرُ بنُ عبدِ اللهِ، فيقولُ: "أعتَقَ رجُلٌ مِن بني عُذْرةَ عبْدًا له عن دُبُرٍ"، أي: قرَّرَ الرَّجلُ أنَّه بعدَ أنْ يَموتَ يُصبِحُ مَملوكُه حُرًّا، "فبلَغَ ذلك رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: "ألكَ مالٌ غيرُه؟ فقال: لا"، فبيَّنَ قولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ سَببَ بَيعِه للعبدِ هو كونُ المعتِقِ فقيرًا لا يَملِكُ شيئًا غيرَ هذا العبدِ، "فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَن يَشتريهِ منِّي؟" فاشتراهُ نُعَيمُ بنُ عبدِ اللهِ العَدويُّ بثَمانِ مِئةِ دِرهمٍ، فجاء بها رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فدفَعَها إليه، ثمَّ قال: "ابدَأْ بنفْسِك فتَصدَّقْ عليها"، أي: اهتَمَّ بنفْسِك وتَصدَّقْ عليها؛ بإكرامِها وبالنَّفقةِ في الخيرِ، "فإنْ فضَلَ شَيءٌ فلِأهْلِك"، أي: فهو لأهْلِك، فتُنفِقُه عليهم، "فإنْ فضَلَ عن أهْلِك شيءٌ فلِذي قَرابتِك"، أي: لِأقْرِبائك الذين لَيسوا مِن أهْلِك، "فإنْ فضَلَ عن ذي قَرابتِك شيءٌ فهكذا وهكذا"، أي: تَتصدَّقُ به في وُجوهِ الخيرِ، كما بيَّنَ المُشارَ إليه بقولِه: "يقول: فبيْن يَدَيك، وعن يَمينِك، وعن شِمالِك". وهذا التَّرتيبُ إذا تأمَّلْتَه، علِمْتَ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدَّم الأَولى، فالأَولى، والأقْربَ؛ وهو أنَّه أمَرَه بأنْ يَبدَأَ بنفْسِه، ثم بأهْلِه؛ مِن الزَّوجةِ، والولدِ، أو الوالدينِ، ثمَّ الأقاربِ، ثم ما بقِيَ فيُمكِنُه التَّصرُّفُ فيه
وفي الحديثِ: أنَّ أفضَلَ الصَّدقةِ الصَّدقةُ على النفْسِ، ثمَّ الأهلِ، ثمَّ الأقرباءِ
وفيه: أنَّ الحُقوقَ إذا تَزاحَمت قُدِّمَ الأوكدُ، فالأوكدُ
وفيه: أنَّ الأفضلَ في صَدقةِ التَّطوُّعِ أنْ يُنوِّعَها الإنسانُ في جِهاتِ الخيرِ بحَسبِ المصلحةِ، ولا يَنحصِرُ في جِهةٍ بعَينِها