باب إباحة الأخذ لمن أعطي من غير مسألة ولا إشراف
بطاقات دعوية
عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعطي عمر بن الخطاب العطاء فيقول له عمر أعطه يا رسول الله أفقر إليه مني فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خذه فتموله أو تصدق به وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وما لا فلا تتبعه نفسك قال سالم فمن أجل ذلك كان ابن عمر لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه. (م 3/ 98
المالُ مِن فِتَنِ الحياةِ الدُّنيا التي يَنبغي لِلمُؤمِنِ أنْ يَصُونَ نفْسَه عن الحِرصِ عليه، ويَحترِزَ مِن أنْ يَطلُبَه بغَيرِ ما أحلَّ اللهُ تعالَى، أو يُنفِقَه في غَيرِ مَرضاتِه.
وفي هذا الحديثِ يَروي عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُعطيهِ شَيئًا مِن العَطاءِ، وفي رِوايةِ النَّسائيِّ: «يُعْطِينِي المالَ»، فكان رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعْطي لِعمَرَ رَضيَ اللهُ عنه شيئًا مِن مالِ الزَّكاةِ على أنَّه نَظيرُ عَمَلِه فيها، لا علَى أنَّه صَدَقةٌ، وظنَّ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعطِيه إيَّاه لظَنِّه فَقْرَه، فطلَبَ مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُعطيَ هذا المالَ مَن هو أفقَرُ منه، فأمَرَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَأخُذَه، وقال له -كما في رِوايةِ مُسلمٍ-: «خُذْه فتَموَّلْه، أو تَصدَّقْ به»، فخيَّرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْن أنْ يُبقِيَه معه ويَنتفِعَ به، أو يَتصدَّقَ به هو بعْدَ أنْ يَحُوزَه منه، ثمَّ بيَّن له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَببَ أمْرِه له بأخْذِ هذا المالِ؛ وذلك أنَّه إذا جاءَهُ مِن هذا المالِ شَيءٌ وهو غيرُ مُتطلِّعٍ إليه، ولا حَريصٍ عليه، ولا ساعٍ في سَبيلِه، وغيرُ طالِبٍ له؛ فلْيَأخُذْه، وأمَّا لم يُعطَه فلا يَنبغِي له أنْ يَطلُبَه أوْ يَسأَلَه ويَتمنَّاه.
وفي الحديثِ: أنَّه لم يكُنْ أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتهافتِينَ على الدُّنيا، ولا كانوا يُريدون بأعمالِهم فيها إلَّا وَجْهَ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفيه: مَشروعيَّةُ قَبولِ العَطيَّةِ إذا جاءتْ مِن غيرِ طَلَبٍ ولا تَطلُّعٍ.
وفيه: مَنقبَةٌ لعُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، وبَيانُ فضْلِه، وزُهدِه، وإيثارِه.