باب إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فليناوله منه2
سنن ابن ماجه
حدثنا عيسى بن حماد المصري، أخبرنا الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمن الأعرج
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أحدكم قرب إليه مملوكه طعاما قد كفاه عناءه وحره، فليدعه فليأكل معه، فإن لم يفعل، فليأخذ لقمة فليجعلها في يده"
علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ آدابَ المُعامَلةِ مع الخَدَمِ والضُّعفاءِ، وأوْصى بحُسْن مُعامَلتِهم وإكْرامِهم.
وفي هذا الحديثِ يُرشِدُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لجانبٍ مِن آدابِ الإسلامِ العَليَّةِ في طَريقةِ مُعامَلةِ المملوكِ والخادِمِ، فوَجَّهَ السَّيِّدَ أو المَخدومَ إلى أنْ يُجلِسَه ليَأكُلَ معه مِن الطَّعامِ الذي أعدَّهُ، فإنْ لم يُجلِسْه معه لعُذْرٍ -كقِلَّةِ طَعامٍ، أو لكونِ نفْسِه تَعافُ ذلك قَهْرًا عليه ويَخْشى مِن إكراهِها مَحذورًا- أو لغيرِ ذلك -كمَحبَّتِه للاختصاصِ بالنَّفيسِ، أو لكونِ الخادمِ يَكرَهُ ذلك حَياءً منه أو تَأدُّبًا- فعَليه أنْ يُطعِمَه مِن الطَّعامِ الَّذي يُحضِرُه لُقْمَةً، وهي المِقدارُ مِن الطَّعامِ الذي يُلقَمُ -أي يُرفَعُ للفَمِ- في المرَّةِ، «أو لُقْمَتَيْنِ، أو أُكْلَةً»، وهي ما يُؤكَلُ دفْعةً واحدةً كلُقْمةٍ، «أو أُكْلَتَيْنِ». وقِيل في ذِكرِ اللُّقمةِ والأُكْلةِ والجمْعِ بيْنهما ومعْناهما قَريبٌ: لعلَّ الرَّاويَ شكَّ هلْ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا أو هذا، فجَمَعَ وأَتى بحرْفِ الشَّكِّ ليُؤدِّيَ كما سَمِع، ويَحتمِلُ أنَّه مِن عطْفِ أحَدِ المُترادَفين على الآخَرِ بكَلمةِ «أو».
وعلَّلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الأمرَ بإطعامِ الخادمِ بأنَّه الَّذِي وَلِيَ عِلاجَه، أي: أعَدَّه وجهَّزه، وتَحمَّلَ مَشقَّةَ حَرِّهِ ودُخَانِه عندَ الطَّبْخِ، وشَمَّ رائحتَه وتَعلَّقَت به نفْسُه. وأيضًا فإنَّ الأكلَ مع الخادِمِ مِن التَّواضُعِ والتَّذلُّلِ وتَرْكِ التَّكبُّرِ، وذلك مِن آدابِ المُؤمِنين وأخلاقِ المُرسَلين.