باب إذا أقر بالحد ولم يبين، هل للإمام أن يستر عليه؟
بطاقات دعوية
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل، فقال: يا رسول الله! إني أصبت حدا، فأقمه على، قال: ولم يسأله عنه. قال: وحضرت الصلاة، فصلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلاة، قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله! إني أصبت حدا، فأقم في كتاب الله، قال:
"أليس قد صليت معنا؟ ". قال: نعم، قال:
"فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدك".
مِنَ الوَسائِلِ التي تُساعِدُ الإنسانَ على التَّوبةِ: أنْ يَحرِصَ على مُضاعَفةِ الأعمالِ الصَّالِحةِ وتَكثيرِها؛ حتَّى تَغلِبَ على حَياتِه وقَلبِه، ومِن هذه الوَسائِلِ التي تُكفِّرُ السَّيِّئاتِ الصَّلاةُ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أنَسُ بنُ مالِكٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه كان عندَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأتَى إليه رَجُلٌ، وقالَ له: يا رسولَ الله، إنِّي أَصبتُ ذَنبًا يُوجِبُ الحَدَّ والعُقوبةَ، ولم يَذكُرْ ذنْبَه، ولمْ يَسألْهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ذَنْبِه مَع تَكرارِه للسُّؤالِ بعْدَ الصَّلاةِ، وإنَّما قالَ له: «أليْسَ قدْ صلَّيتَ مَعنا؟» فأخْبَرَه أنَّ صَلاتَه سَببٌ في غُفرانِ ذنْبِه، خُصوصًا وقدِ انضمَّ إليها ما أشَعَرَ بإنابتِه ونَدَمِه على هذا الذَّنْبِ، وهذا مِصداقٌ لِقَولِ اللهِ تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، وهو يُبَيِّنُ أنَّ الأعمالَ الصَّالحةَ -مِن الصَّلاةِ وغَيرِها- تُكفِّرُ صَغائرَ الذُّنوبِ، أمَّا الكَبائِرُ فإنَّها تَحتاجُ إلى تَوبةٍ تامَّةٍ، بشُروطِها.
قيلَ: إنَّ ذِكرَ الحدِّ هنا عبارةٌ عَنِ الذَّنْبِ لا على حَقيقةِ ما فيه حدٌّ منَ الكبائرِ، فلمَّا لم يَحُدَّه النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دلَّ على أنَّه كان ممَّا لا حدَّ فيه؛ لأنَّ الصلاةَ إنَّما تُكفِّرُ غيرَ الكبائرِ. وقيلَ: إنَّه أصاب ما يوجِبُ الحَدَّ، وإنَّما لم يَحُدَّه؛ لأنَّه لم يُفسِّرِ الحدَّ فيما لزِمَه، فسَكَتَ عنه النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولم يَستفسِرْه؛ لئلَّا يَجِبَ عليه الحدُّ.
وفي الحَديثِ: بَيانُ مَدى رَحمةِ اللهِ بعِبادِه، وأنَّه يَقبَلُ التَّائِبينَ.