باب: إذا أوصى لعشيرته الأقربين 5
سنن النسائي
أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنبأنا أبو معاوية، قال: حدثنا هشام وهو ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: لما نزلت هذه الآية {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214]، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا فاطمة ابنة محمد، يا صفية بنت عبد المطلب، يا بني عبد المطلب، لا أغني عنكم من الله شيئا، سلوني من مالي ما شئتم»
الأقرَبونَ هُم أوْلى النَّاسِ بِالحِرصِ على هِدايتِهم وَالاهتِمامِ بِشأْنِهم؛ فهُمُ الأوْلى بِالنُّصحِ
وفي هذا الحَديثِ يروي أبو هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قامَ حينَ أنزلَ اللَّهُ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، يعَني: اذهَبْ لِإبلاغِ قَرابتِكَ، وهُم قُريشٌ، وهُم آلُ عَبدِ المُطَّلبِ، وآلُ هاشِمٍ، وآلُ عَبدِ مَنافٍ، وقُصَيٌّ، فَقال لَهُم: «يا مَعشرَ قُريشٍ -أو كَلمَةً نَحوَها- اشَتَروا أنفُسَكم»، فَكأنَّه جَعَلَ الطَّاعةَ هي ثَمَنَ النَّجاةِ مِنَ النَّارِ ودُخولِ الجنَّةِ، والسِّلعَةَ المُشتَراةَ هيَ الجنَّةَ، كَما في حَديثٍ آخَرَ في الصَّحيحَينِ: «لا أُغني عَنكُم مِنَ اللهِ شَيئًا»؛ فكُلٌّ يُحاسَبُ عَن نَفسِه، ثُمَّ بَدأ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَذكُرُ الأقربَ فَالأقربَ مِن نَسبِ قُريشٍ لَهُ، فَقالَ: «يا بَني عَبدِ مَنافٍ» وَهوَ أحدُ أجدادِه، «لا أُغْني عَنكُم مِنَ اللهِ شَيئًا، يا عبَّاسُ بنَ عَبدِ المُطَّلبِ» وهو عَمُّه، «لا أُغْني عَنكَ مِنَ اللهِ شَيئًا، وَيا صَفيَّةُ عَمَّةَ رَسولِ اللهِ، لا أُغْني عَنكِ مِنَ اللهِ شَيئًا، وَيا فاطِمةُ بنتَ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، سَليني ما شِئْتِ مِن مالي» فهذا مُستطاعٌ في الدُّنيا، ولكِنْ «لا أُغني عَنكِ مِنَ اللهِ شَيئًا»؛ فَفي الآخِرةِ كُلٌّ يُحاسَبُ عَن نَفسِه، ولَنْ يَدخُلَ الجَنَّةَ مَن لمْ يُؤمِنْ بِاللهِ سُبحانَه وتعالَى
وفي الحَديثِ: بيانُ أنَّ كلَّ إنسانٍ مُرتبِطٌ بعَملِه، ولا يَنفعُه نَسَبُه ولا مالُه ولا عَملُ غيرِه
وفيه: بيانُ صَدْعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالحقِّ، وإبلاغِه الرِّسالةَ كما أَمَره ربُّه تعالَى دونَ تَقصيرٍ
وفيه: حَثٌّ على إحسانِ العَمَلِ والتقَرُّبِ به إلى اللهِ