باب إذا تتابع فى شرب الخمر
حدثنا سليمان بن داود المهرى المصرى ابن أخى رشدين بن سعد أخبرنا ابن وهب أخبرنا أسامة بن زيد أن ابن شهاب حدثه عن عبد الرحمن بن أزهر قال كأنى أنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الآن وهو فى الرحال يلتمس رحل خالد بن الوليد فبينما هو كذلك إذ أتى برجل قد شرب الخمر فقال للناس « اضربوه ». فمنهم من ضربه بالنعال ومنهم من ضربه بالعصا ومنهم من ضربه بالميتخة - قال ابن وهب الجريدة الرطبة - ثم أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترابا من الأرض فرمى به فى وجهه.
كان مِن حدِّ شارِبِ الخمرِ على عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم ضرْبُ النَّاسِ له بما في أَيْديهِم
وفي ذلك يُخبِرُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ أزهَرَ رَضِي اللهُ عَنْه بقَولِه: "رأَيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم غَداةَ الفَتحِ"، أي: صَباحَ يومِ فتحِ مكَّةَ، "وأنا غُلامٌ شابٌّ"؛ إشارةً إلى صِغَرِ سِنِّه في ذلك الوقتِ، "يتَخلَّلُ النَّاسَ"، أي: يَدخُلُ ويَسيرُ بينَهم، "يَسأَلُ عَن مَنزِلِ خالِدِ بنِ الوَليدِ"، أي: يَسأَلُ عَنِ المكانِ الَّذي يَنزِلُ فيه خالدُ بنُ الوليدِ، قاصِدًا مَنزِلَه، "فأُتِيَ بشارِبٍ"، أي: شارِبِ خَمرٍ، "فأمَرَهم"، أي: أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم النَّاسَ بضَربِه، "فضَرَبوه بِما في أيديهم؛ فمِنْهم مَن ضرَبه بالسَّوطِ"، والمرادُ بالسَّوطِ: ما أُخِذ مِن الجِلْد، "ومِنْهم مَن ضَرَبه بعَصًا"، والمراد بالعَصا: المُنتَصِبةُ الَّتي لا تَلتَوي عندَ استِعْمالِها، "ومِنهُم مَن ضرَبه بنَعْلِه"، أي: حِذائِه، "وحَثَا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم"، أي: أخَذَ بكفَّةِ يدَيْه، "التُّرابَ"، أي: رمَى به وجْهَ الشَّارِبِ توبيخًا وإنكارًا على شُربِه الخَمْرَ
فلمَّا كانَتْ خِلافةُ أبي بَكرٍ رَضِي اللهُ عَنْه، أُتِي بشاربٍ للخَمرِ، فسَأَل أبو بكرٍ رَضِي اللهُ عَنْه أصحابَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم عن ضَربِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم لشارِبِ الخمرِ، "فحَزَروه أربَعين"، أي: إنَّ الصَّحابةَ قدَّروه بأربَعينَ جَلْدةً، فكان حدُّ الشَّاربِ في خِلافةِ أبي بكرٍ رَضِي اللهُ عَنْه أربَعين جَلْدةً
فلمَّا كانَت خِلافةُ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ "كتَب إليه خالدُ بنُ الوليدِ: إنَّ النَّاسَ قَدِ انهَمَكوا في الشُّربِ"، أي: تَمادَوْا في شُربِهم للخَمْرِ، "وتَحاقَروا الحدَّ والعُقوبةَ"، أيِ: استَهانوا واستَقلُّوا الأربَعينَ جَلْدةً الَّتي كانوا يَحُدُّون بها شارِبَ الخمرِ، فأجابَه عُمرُ رَضِي اللهُ عَنْه وقال: "هُم عِندَك"، أي: صَحابةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، "فسَلْهُم"، أيِ: اسْألْهم عن حدِّ شاربِ الخمرِ، وكان مَع خالدِ بنِ الوليدِ "المُهاجِرون الأوَّلون" رِضْوانُ اللهِ علَيْهم؛ "فسَألَهم" خالدٌ، "فأجمَعوا"، أي: مَن كان معَه مِن الصَّحابةِ: "على أن يُضرَبَ ثَمانين"، أي: جَلدةً.
قال عبدُ الرَّحمنِ بنُ أزهَرَ: "وقال علِيُّ بنُ أبي طالبٍ: إنَّ الرَّجُلَ إذا شَرِب"، أيِ: الخَمْرَ، "افْتَرى"، أي: كَذَبَ، "فأَرى أن يَجعَلَه كحَدِّ الفِرْيةِ"، أي: كحَدِّ القَذْفِ ثَمانينَ جَلدةً