باب إذا قال عند قوم شيئا ثم خرج فقال بخلافه 4
بطاقات دعوية
وعنه قال:
إنما كان النفاق على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان.
النِّفاقُ هو إظهارُ المرءِ خِلافَ ما يُبطِنُه، وهو مِعْولُ الهَدمِ الأَخطرِ عَبْرَ تاريخِ المُسلِمينَ، وضَررُ المنافِقين على الإسْلامِ أقْوى تَأثيرًا مِن مَكائدِ الكافِرينَ المُجاهِرينَ بِكُفرِهمْ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ حُذَيفةُ بنُ اليَمانِ رضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ النِّفاقَ -وهو إضمارُ الكُفرِ وإظهارُ الإسلامِ- كان واقعًا في عَهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّ القومَ كانوا في جاهليةٍ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَتألَّفُهم للإسلامِ، «فأمَّا اليومَ فإنَّما هوَ الكُفرُ بعْدَ الإيمانِ»؛ وذلك لأنَّ المنافقينَ على عهْدِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم آمَنوا بألْسنتِهم ولم تُؤمِنْ قُلوبُهم، وأمَّا مَن جاء بَعدُ فإنَّه وُلِد في الإسلامِ وعلى فِطرتِه؛ فمَن كَفَر منهمْ فهو مُرْتدٌّ؛ فلا حُجَّةَ له، ولا يُسمَّى مُنافقًا، وإنَّما هو كافرٌ بعْدَ إيمانِه، ويَختلِفُ حُكمُ المنافِقِ عن حُكمِ المرتدِّ.
وأرادَ حُذيفةُ رضِيَ اللهُ عنه أنْ ينفْيَ أن يكون حُكمُ المنافقِ والمرتدِّ واحدًا، ولم يُرِدْ نَفْيَ وُقوعِ النِّفاق؛ إذ وُقوعُه مُمكِنٌ في كلِّ عصْرٍ؛ وسَببُ اختلافِ الحُكمِ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَتألَّفُ المنافِقين، فيَقبَلُ ما أَظْهروه مِن الإسلامِ حتَّى ولو ظهَر منهم احتمالُ خِلافِه، بخِلافِ الحُكمِ بعْدَه؛ فمَن أظْهَرَ شيئًا فإنَّه يُؤاخَذُ به، ولا يُترَكُ لمَصلحةِ التَّألُّفِ؛ لعدمِ الاحتياجِ إلى ذلك.
وفي الحَديثِ: بيانُ اختلافِ الحُكمِ على الأشخاصِ باعتبارِ الزَّمانِ الذي عاشَ فيه، وباعتبارِ وُضوحِ الحقِّ وظُهورِه له.