باب إسلام سلمان الفارسى رضي الله عنه 1
بطاقات دعوية
عن سلمان الفارسي أنه تداوله بضعة عشر من رب إلى رب (88).
طلَبُ الحَقِّ والبَحثُ عنه قِيمةٌ كَبيرةٌ تَستَحِقُّ العَناءَ للوُصولِ إليها، ورُبَّما يُكلِّفُ صاحِبَه المَتاعِبَ في نفْسِه، ومالِه، ودُنْياه كُلِّها، ولكِنَّ صاحِبَ الإصْرارِ هو الَّذي يَستَطيعُ تَحمُّلَ ذلك؛ للوُصولِ إلى الحَقِّ النَّاصِعِ الَّذي يُريدُه ويَعرِفُ صِفاتِه.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي سَلْمانُ الفارِسيُّ رَضيَ اللهُ عنه عن بَعضِ ما لاقاهُ في طَريقِ بَحثِه عنِ الدِّينِ الحقِّ؛ فيَذكُرُ أنَّه انتَقَلَ بِضْعةَ عَشَرَ مرَّةً -أي: ما بيْن ثَلاثةَ عَشَرَ إلى تِسعةَ عَشَرَ- مِن ربٍّ إلى ربٍّ، أي: مِن مالكٍ إلى مالكٍ آخَرَ، فالرَّبُّ بمعْنى السَّيِّدِ المالِكِ، وقدْ كان حُرًّا مِن رامَهُرْمُزَ، وهي: مَدينةٌ بأرضِ فارسَ قُرْبَ عِراقِ العرَبِ، وكان قدْ خرَج مِن فارِسَ إلى بلادِ الشَّامِ باحثًا عنِ النَّصْرانيَّةِ، فتَنصَّرَ، وظلَّ هناك يَعيشُ معَ الرُّهْبانِ واحدًا تِلوَ الآخَرِ، ويَنتَقِلُ بيْن البُلدانِ مِن الشَّامِ إلى المَوصِلِ، وهي بَلدةٌ في العِراقِ، ثمَّ إلى نَصِيبينَ، وهي مَدينةٌ تاريخيَّةٌ في الجَزيرةِ الفُراتيَّةِ العُلْيا، ومِنطَقةٌ إداريَّةٌ تقَعُ حاليًّا ضِمنَ حُدودِ تُرْكيا، ومنها إلى عَمُّوريَّةَ، وهي مَدينةٌ كَبيرةٌ كانت للرُّومِ، وتقَعُ الآنَ في وسَطِ غَربِ هَضْبةِ الأناضولِ التُّرْكيَّةِ، إلى أنْ مات صاحِبُ عمُّوريَّةَ، وقبْلَ مَوتِه طلَب منه سَلْمانُ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يَعهَدَ به إلى راهبٍ مِثلِه زاهدٍ عابدٍ، فأخبَرَه أنَّه لم يَبقَ أحدٌ على أمْرِهم في الأرضِ، وأنَّ هذا زمانُ مَبعَثِ النَّبيِّ الخاتَمِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وذكَر له صِفاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّ أرضَ مَبعَثِه مكَّةُ المُكرَّمةُ، وأرضَ هِجْرتِه المَدينةُ المُنوَّرةُ، وذكَر له صِفاتِ البَلدَينِ، فخرَج سَلْمانُ رَضيَ اللهُ عنه قاصِدًا مكَّةَ بعْدَ أنْ دفَن صاحِبَه، وركِبَ معَ قافِلةٍ، فظَلَموه، وغَدَروا به، وباعوه عَبدًا لرَجُلٍ مِن يَهودَ، وتَنقَّلَ بيْنهم، حتَّى قابَلَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأسلَمَ بعدَ هِجرةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المَدينةِ، وأوَّلُ مَشاهِدِه مع رَسولِ اللهِ الخَندَقُ، ولم يَتخلَّفْ عن مَشهَدٍ بعْدَها، وآخى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنه وبيْن أبي الدَّرْداءِ رَضيَ اللهُ عنهما، وهو الَّذي أشارَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بحَفرِ الخَندَقِ عندَ مَجيءِ الأحْزابِ، وانتَقَلَ إلى العِراقِ، ووَليَ إمْرةَ المَدائنِ، ومات بها في خِلافةِ عُثْمانَ بنِ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه، سَنةَ ستٍّ وثَلاثينَ منَ الهِجْرةِ.
وفي الحَديثِ: فَضيلةُ سَلْمانَ الفارِسيِّ رَضيَ اللهُ عنه.