[باب] {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون}
بطاقات دعوية
عن ابن عباس: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون}؛ قال: هم نفر من بني عبد الدار.
فضَّل اللهُ الإنسانَ على غيرِه من المخلوقاتِ بما منحه من مَلَكةِ العَقلِ والفَهمِ، وبما منحه من حواسَّ تُعينُه على معرفةِ الحَقِّ، فإذا عطَّلها الإنسانُ ولم يستَفِدْ بها، صار شَرَّ المخلوقاتِ وأدناها.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ قولَ اللهِ تعالَى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22] أُنزلَ في نَفَرٍ مُشرِكينَ -وهمُ الجماعةُ- مِن بَني عبدِ الدَّارِ بنِ قُصَيِّ بنِ كلابٍ. وكان هؤلاء النَّفَرُ يحمِلون اللِّواءَ يومَ أُحُدٍ حتى قُتِلوا. والدوابُّ: جمعُ دابَّةٍ، وهي كُلُّ ما يَدِبُّ على الأرضِ. والصَّممُ: هو انسدادُ منافذِ السَّمعِ، وهو أشدُّ مِنَ الطَّرَشِ، والبَكَمُ: الخَرَسُ، والمعنى: إنَّ شَرَّ ما يَدِبُّ على الأرضِ في حُكمِ اللهِ وقَضائِه، هم أولئك الصُّمُّ عن سماعِ الحَقِّ، البُكمُ عن النُّطقِ به، الذين لا يَعقِلون التمييزَ بينه وبين الباطِلِ.
ووصفهم سُبحانَه بذلك مع أنهم يسمعون ويَنطِقون؛ لأنهم لم ينتَفِعوا بهذه الحواسِّ، وأعْرَضوا عَن سَماعِ ما يَهديهم وعَنِ التَّكلُّمِ بِما يَنفَعُهم، بل استعملوها فيما يَضُرُّ ويؤذي، فكان وجودُها فيهم كعَدَمِها، فكانوا صُمًّا بُكمًا في المعنى، وهذا يعُمُّ كلَّ مُشركٍ مُعرِضٍ، وإنْ كان نُزولُه في جَماعةٍ مُعيَّنةٍ؛ فالعِبرةُ بعُمومِ اللَّفظِ لا بخُصوصِ السَّببِ.