باب {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} 2
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن الزبير: {خذ العفو وأمر بالعرف}؛ قال: ما أنزل الله إلا في (621 - وفي رواية معلقة: أمر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ العفو من) أخلاق الناس.
كان أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكثرَ النَّاسِ فَهْمًا لِكتابِ اللهِ تعالَى، وعمَلًا به، ووُقوفًا عندَ حُدودِه، وكان الفاروقُ عُمرُ رضِيَ اللهُ عنه مِن أكثرِهم وُقوفًا عنْدَ حُدودِ اللهِ تعالَى.
وفي هذا الحَديثِ صورةٌ مِن صُوَرِ وُقوفِ الفاروقِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه عند كتابِ اللهِ، وعَدَمِ تجاوُزِه؛ فيُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ عُيَيْنةَ بنُ حِصنِ بنِ حُذيفةَ -رَضِيَ اللهُ عنه- قَدِم المدينةَ المنوَّرةَ في خِلافةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه، ونزَلَ في بَيتٍ لابنِ أخيه الحُرِّ بنِ قَيسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وكان الحُرُّ بنُ قيسٍ مِنَ القُرَّاءِ الَّذين يَحفظونَ القرآنَ الكريمَ ويَفْهَمونَه، وكان عُمرُ رضِيَ اللهُ عنه يُقرِّبُه في مَجالسِه ويَأخُذُ مَشورتَه هو ومَن مِثلُه مِنَ القُرَّاءِ كُهولًا كانوا أو شبابًا، والكَهلُ هو مَن بدَأَ يَعلُوه الشَّيبُ، وهو بعْدَ سِنِّ الثَّلاثينَ إلى الخَمسينَ، فطَلبَ عُيَينةُ مِن الحُرِّ أنْ يَستأذنَ له لِيدخُلَ على عُمرَ رضِيَ اللهُ عنه؛ لِمَا له مِنَ الوجاهةِ عنده، ففعَلَ الحُرُّ واستأذَنَ له لِيَدخُلَ عليه، فلمَّا دخَلَ عليه عُيَينةُ قال لِعمرَ رضِيَ اللهُ عنه: «هِي يا ابنَ الخطَّابِ!» و(هِي): كَلمةٌ تُقالُ لِلتَّهديدِ، وقيل: هي ضميرٌ، والتقدير: هي داهِيَةٌ، «فَواللهِ ما تُعطينا الجَزْلَ ولا تَحكُمُ بيْننا بِالعَدْلِ!»، يعني: لا تُعطينا العطاءَ الكثيرَ ولا تَعدِلُ بيْننا! فغضِبَ عُمرُ رضِيَ اللهُ عنه حتَّى أرادَ أنْ يُعاقِبَه، فقال له الحُرُّ رضِيَ اللهُ عنه: يا أميرَ المؤمنينَ، إنَّ اللهَ تعالَى قال لِنبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، أي: اقبَلْ ما تيسَّرَ مِن أخلاقِ النَّاسِ، وما سَمَحت به أنفُسُهم، ولا تُغلِظْ عليهم، فإنْ وَجدْتَ منهم خُلُقًا طَيِّبًا فاقبَلْه، وما جاءَك مِن غَيرِ ذلك فاصفَحْ عنه وتجاوَزْه، واترُكْ ما لك من الحَقِّ عليهم، وأْمُرِ النَّاسَ -يا مُحمَّدُ- بالمَعروفِ الذي يُقِرُّه الشَّرعُ؛ مِن كُلِّ قَولٍ وفِعلٍ تَعرِفُ حُسنَه ونَفعَه العُقولُ والفِطَرُ السَّليمةُ، وتطمئِنُّ إليه النُّفوسُ المُستقيمةُ، وأعرِضْ عمَّن جَهِلَ عليك، فإذا سَفِهَ عليك، وأساءَ إليك، فلا تؤاخِذْه بزَلَّتِه.
قال الحُرُّ لعُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: وإنَّ هذا مِنَ الجاهلِينَ. فَامتثلَ عُمرُ رضِيَ اللهُ عنه لِكتابِ اللهِ تعالَى، ولم يُجاوِزْ حُدودَه، ولم يُعاقبِ الرَّجلَ، وكان رضِيَ اللهُ عنه وقَّافًا عندَ كِتابِ اللهِ وحُدودِه، فإذا سمع آياتِه التزم أحكامَه ووقف عندها ولم يتعَدَّها.
وفي الحَديثِ: أنَّ اللهَ يَرفَعُ بهذا القُرآنِ أقوامًا ويضَعُ به آخَرَين.
وفيه: أنَّ التَّقديمَ يكونُ لِأهلِ الفضْلِ والعِلْمِ والفَهْمِ والفِقْهِ والقرآنِ.
وفيه: فَضيلةُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ بحُسنِ سِياستِه ووُقوفِه عند كتابِ اللهِ.