باب {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله}
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن عمر - رضى الله عنهما - أن زيد بن حارثة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كنا ندعوه إلا زيد ابن محمد حتى نزل القرآن: {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله}.
كان التَّبنِّي مُنتشِرًا بيْن العربِ قبْلَ الإسلامِ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قدْ تَبنَّى زَيدَ بنَ حارثةَ، وكان يُقالُ له: زَيدُ بنُ محمَّدٍ، فلمَّا حُرِّم التَّبنِّي ونزَل قولُه تعالَى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5]، كانوا يُدْعونَ لِآبائِهم إنْ عُلِمَ لهم أبٌ، ومَن لَمْ يُعْلَمْ له أبٌ، كانَ مَوْلًى لمَن تَبنَّاهُ وأَخًا في الدِّينِ، كما قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5]، وكان أبو حُذيفَةَ بنُ عُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ بنِ عبدِ شَمْسٍ رضِيَ اللهُ عنه قدْ تَبنَّى سالِمًا، وزوَّجَه بنتَ أخيه هِنْدَ بنْتَ الوَلِيدِ بنِ عُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وكان سالمٌ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنَ الأنْصَارِ، فلمَّا نزَلَتْ آيةُ تَحريمِ التَّبنِّي جاءتْ سَهْلةُ بنتُ سُهيلٍ امرأةُ أبي حُذَيْفَةَ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقالتْ لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّها وزَوجَها كانا يَعُدَّانِ سالمًا ولدًا لهما، فكانَ يَدخلُ عليها بلا حرَجٍ، فلمَّا نزَلتْ آيةُ تحريمِ التَّبنِّي أصبحَتْ في حرَجٍ مِن دُخولِه عليها؛ لأنَّهُ أصبحَ أجنبيًّا عنها، فقالَ لها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -كما عند مُسلمٍ-: أَرضعِيه، يعني: قُومي بإرضاعِه رَضعةً، فتَكوني أُمَّه مِنَ الرَّضاعةِ، فأرضَعْتَهْ خَمسَ رَضَعاتٍ؛ فكان بمَنزلةِ وَلدِها مِنَ الرَّضاعةِ.
وعند أبي داودَ: «فبذلكَ كانَتْ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها تَأمُرُ بَناتِ إِخوتِها وبَناتِ أَخواتِها أنْ يُرضِعْنَ مَن أَحبَّتْ عائشةُ رضِي اللهُ عنها أنْ يَراها ويَدخُلَ عليها وإنْ كان كَبيرًا خَمْسَ رَضَعاتٍ، ثُمَّ يَدخُلُ عليها، وأبَتْ أُمُّ سَلَمةَ رضِيَ اللهُ عنها وسائرُ أزواجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ يُدْخِلْنَ عليهنَّ بتلكَ الرَّضاعةِ أحدًا مِنَ النَّاسِ حتَّى يَرضَعَ في المَهْدِ، وقُلنَ لِعائشةَ رضِي اللهُ عنها: واللهِ ما نَدْري لعلَّها رُخصةٌ مِن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِسالمٍ دُونَ النَّاسِ».