باب الأمر والنهى
حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا أبو إسحاق - أظنه - عن ابن جرير عن جرير قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول « ما من رجل يكون فى قوم يعمل فيهم بالمعاصى يقدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا ».
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم المهمات في دين الإسلام، وهو من أسباب خيرية هذه الأمة على غيرها من الأمم، وتركه والتخلي عنه من أسباب العقاب العام
وفي هذا الحديث يقول قيس بن أبي حازم: "قال أبو بكر"، أي: في خطبته، "بعد أن حمد الله وأثنى عليه: يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية، وتضعونها على غير موضعها"، أي: فهمتم ما فيها على غير الوجه الذي يجب أن يكون، وتلك الآية قوله تعالى: {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} [المائدة: 105]، أي: إنهم فهموا منها أنهم غير مطالبين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن عليهم السعي في إصلاح النفس فقط؛ وذلك أن الآية كانت قد نزلت في أقوام كانوا قد أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر إلا أنهم أبوا عليهم أن يقبلوا من نصحهم، فكادت أنفسهم تذهب عليهم حسرة؛ فأنزل الله عز وجل تلك الآية استرضاء لهم
قال أبو بكر رضي الله عنه موضحا الفهم الصحيح للآية: "وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه"، أي: لم يمنعوه من ظلمه وعندهم من القدرة على منعه، "أوشك أن يعمهم الله بعقاب"، أي: يوشك أن يعم الله عز وجل الجميع بعقاب من عنده الفاعل للمنكر والساكت على فعله
وقال عمرو- وهو ابن عون من رواة الحديث- عن هشيم- وهو ابن بشير من رواة الحديث- أي: قال في روايته: إن أبا بكر قال: "وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي"، أي: يعمل بينهم بالمنكر، "ثم يقدرون على أن يغيروا، ثم لا يغيروا"، أي: وكان عندهم من القدرة ما يجعلهم يمنعونه أو ينصحونه حتى يكف وينتهي عن عمله، ثم يتركونه دون نهي، والمراد بالقدرة: القوة والمنعة التي تحفظهم من الأذى الذي يمكن أن ينالهم ممن يفعلون المنكر، "إلا يوشك أن يعمهم الله منه بعقاب"، أي: يوشك أن يعم الله عز وجل الجميع بعقاب من عنده الفاعل للمنكر والذي لم ينهه عن فعله
وفي الحديث: التحذير والترهيب من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وفيه: ترشيد أمر العامة وإفهامهم النصوص على الوجه الصحيح لها