باب الكلام والإمام يخطب
حدثنا مسدد، وأبو كامل، قالا: حدثنا يزيد، عن حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يحضر الجمعة ثلاثة نفر، رجل حضرها يلغو وهو حظه منها، ورجل حضرها يدعو، فهو رجل دعا الله عز وجل إن شاء أعطاه، وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت، ولم يتخط رقبة مسلم، ولم يؤذ أحدا فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها، وزيادة ثلاثة أيام، وذلك بأن الله عز وجل يقول: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160] "
يوم الجمعة يوم عظيم، وهو يوم عيد أسبوعي للمسلمين، وللجمعة أجر كبير لمن حضرها وأنصت إلى خطبتها، وأحسن الاستماع إلى الخطيب، ولكن ليس كل من يحضر صلاة الجمعة على درجة واحدة؛ فالناس متفاوتون في ذلك
وهذا الحديث يوضح أنواع الناس الذين يحضرون الجمعة وما لهم فيها، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يحضر الجمعة ثلاثة نفر"، أي: يحضر الناس صلاة الجمعة وينقسمون إلى ثلاثة أقسام على مقدار ما يتحصلون عليه من الأجر: "رجل حضرها يلغو؛ وهو حظه منها"، أي: القسم الأول: من يأتي إليها ولكنه يلغو، أي: يتكلم بالكلام عديم الفائدة، واللغو في الجمعة يتحقق بأي كلام حتى وإن قال الرجل لأخيه: أنصت، ومن لغا فلا حظ له من أجر الجمعة، وإنما حظه ونصيبه منها هو كلامه، "ورجل حضرها يدعو؛ فهو رجل دعا الله عز وجل إن شاء أعطاه"، أي: والقسم الثاني: هو من يحضر الجمعة ليدعو الله سبحانه وتعالى؛ لعلمه أن في الجمعة ساعة إجابة، ودعاؤه أمره إلى الله؛ إن شاء استجاب دعاءه، وأعطاه ما طلب حالا أو مآلا، "وإن شاء منعه"، أي: لم يستجب له دعاءه، ولم يعطه ما طلبه، أو أخر له دعوته
والقسم الثالث: "رجل حضرها بإنصات وسكوت"، أي: لم يتكلم، بل استمع، وأحسن الاستماع للخطبة، "ولم يتخط رقبة مسلم، ولم يؤذ أحدا"، أي: جلس في مكانه، ولم يتحرك، ولم يتقدم الصفوف، أو يتنقل متخطيا الرقاب، وهذا يتفاداه الرجل إذا حضر مبكرا، وجلس في مكانه؛ "فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها، وزيادة ثلاثة أيام، وذلك بأن الله عز وجل يقول: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} [الأنعام: 160]"، أي: فتكون صلاة الجمعة كفارة لذنوبه التي يعملها طوال عشرة أيام تالية؛ وهي الأسبوع التالي وزيادة ثلاثة؛ لأن اليوم بعشرة أيام، والحسنة عند الله بعشر أمثالها، وقد دلت الروايات على أنها مغفرة لكل الذنوب إلا الكبائر؛ فإنه لا بد من التوبة من الكبائر
وفي الحديث: بيان فضل يوم الجمعة
وفيه: الزجر عن اللغو والكلام أثناء خطبة الجمعة؛ لأنه مضيع للأجر، والحث على الإنصات، وحسن الاستماع يوم الجمعة، مع مراعاة الآداب، وذلك له أجر عظيم
وفيه: أن الدعاء والأعمال أمرها إلى الله تعالى؛ إن شاء قبلها، وإن شاء ردها