باب الأمل والأجل5
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو مروان العثماني، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه
عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أن لابن آدم واديين من مال لأحب أن يكون معهما ثالث، ولا يملأ نفسه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" (1)
المالُ مِن الأشياءِ المُحبَّبةِ إلى القُلوبِ، وله جاذبيَّتُه الَّتي لا تَنْتَهي، ولذلك جاءت النصوصُ وكَثُرت في التحذيرِ مِنَ الحِرصِ عليه وجمعِه واكتِنازِه.
وفي هذا الحَديثِ يُبَيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه لَوْ كان لابنِ آدَمَ مِثلُ وادٍ ممتَلِئٍ بالمالِ، لأَحَبَّ أنْ يكونَ له وادٍ آخَرُ مماثلٌ له، والوادي: هو كلُّ مُنفَرِجٍ بيْنَ جِبالٍ أو آكامٍ، وَهو مَنْفَذُ السَّيلِ. وأخبر صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه لا يَملَأُ عَيْنَ ابنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ؛ وذلك لأنَّ الإنسانَ بطَبْعِه ميَّالٌ إلى حُبِّ المالِ، وفيه طمَعٌ، ولا يَشبَعُ منه، وليْس له حدٌّ يَنْتَهي إليه، إلَّا ما كان مِن مادَّتِه، وهو التُّرابُ، وقيل: معناه: أنَّه لا يزالُ حريصًا على الدُّنيا حتى يموتَ ويمتَلِئَ جَوفُه مِن تُرابِ قَبْرِه.
وهذا الحديثُ خرج على حُكمِ غالِبِ بني آدَمَ في الحِرصِ على الدُّنيا، ويؤيِّدُه قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «وَيَتوبُ اللَّهُ على مَن تابَ» أي: يَقبَلُ تَوبةَ الحَريصِ على الرُّجوعِ إلى طريقِ الحَقِّ بعد الغَيِّ، كَما يَقبَلُها مِن غَيرِهِ. ثم أخبر ابنُ عَبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: أنَّه يشُكُّ هل الحَديثُ المَذكورُ مِنَ القُرآنِ الذي نُسِخَ لَفظُه، أمْ لا؟
وَقال عطاءُ بنُ أبي رباحٍ: سَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ الزُّبَيرِ يَقولُ ذلك الحديثَ على المِنْبَرِ بِمَكَّةَ المُشَرَّفَةِ.
وفي الحَديثِ: التحذيرُ مِن الانشِغالِ بِالمالِ، والفِتنةِ بِه.
وفيه: أنَّ المُؤمِنَ يَنبَغي أنْ يَكونَ أكْبَرُ هَمِّهِ العَمَلَ لِلآخِرةِ، وألَّا يَشغَلَ بالدُّنيا وشَهَواتِها.
وفيه: ذمُّ الحِرْصِ والشَّرَهِ.