باب الإحرام2
سنن ابن ماجه
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم وعمر بن عبد الواحد، قالا: حدثنا الأوزاعي، عن أيوب بن موسى، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن ثابت البناني
عن أنس بن مالك، قال: إني عند ثفنات ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الشجرة، فلما استوت به قائمة، قال: "لبيك بعمرة وحجة معا" وذلك في حجة الوداع
الحجُّ الرُّكنُ الخامسُ مِن أَركانِ الإِسْلامِ، وهوَ عِبادةٌ لمَنِ استَطاعَ إليها سَبيلًا، وتُؤخَذُ جميعُ أَعمالِه مِن سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وكان التَّابِعونَ يَذهَبونَ إلى أصْحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليَسأَلوهم ويَتعلَّموا منهم حَديثَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأفْعالَه وأقْوالَه في العِباداتِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه سمِعَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «يُلبِّي بالحَجِّ والعُمرَةِ جميعًا» في حَجَّةِ الوَداعِ، وهذا إشارةٌ إلى أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ قارِنًا، فأخبَرَ بكرُ بنُ عبدِ اللهِ -راوي الحَديثِ عن أنسٍ رَضيَ اللهُ عنه- أنَّه حدَّثَ عبدَ اللهِ بنَ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما بما قالَه أنسٌ رَضيَ اللهُ عنه، فقالَ عبدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه مُعقِّبًا على أنسٍ رَضيَ اللهُ عنه: «لبَّى بالحَجِّ وحدَهُ»، أي: كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُفرِدًا ولم يجعَلْ معَه عُمرةً، فأخبَرَ بَكرٌ أنَّه رجَعَ بقَولِ ابنِ عُمرَ هذا إلى أنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه، فقالَ رَضيَ اللهُ عنه: «ما تَعدُّونَنا إلَّا صِبْيانًا!»، أي: ما تَحسَبونَنا إلَّا صِغارًا لا نَعلَمُ شيئًا مِن أَحْوالِ وسُننِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يقصِدُ رَضيَ اللهُ عنه بذلك صِغَرَ سِنِّه مدَّةَ صُحبتِه وخِدمتِه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حينَما حضَرَ إلى المَدينةِ مُهاجرًا كان عُمرُ أنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه حينَئذٍ عَشْرَ سِنينَ، وعليه فإنَّ أنَسًا رَضيَ اللهُ عنه كان بعُمرِ العِشرينَ يومَ حجَّةِ الوَداعِ، فمِثلُه يُقبَلُ حَديثُه خاصَّةً بعدَ بُلوغِه ورُشدِه، فأنَسٌ رَضيَ اللهُ عنه يُنكِرُ بمَقولتِه تلك على مَن يظُنُّ به شيئًا من ذلك، ولذلك قالَ: «سَمعْتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولُ: لبَّيكَ عُمرةً وحَجًّا»، يؤكِّدُ رَضيَ اللهُ عنه على ما رَواه عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأنَّه رَآه وسَمِعَه يفعَلُ ذلك.
والرَّاجِحُ والأصَحُّ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان قارِنًا، كما قال أنَسٌ، ومَن قال بغيرِ ذلك فإنَّه بَنى على ما شاهَدَه منَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وسَمِعَه في إهْلالِه، فمَن سَمِعَه أهلَّ بالحجِّ، ظنَّه أنَّه أفرَدَ، ومَن سَمِعَه أهلَّ بالعُمرةِ ظنَّ أنَّه تمتَّعَ، ومَن سَمِعَه أهلَّ بالحجِّ والعُمرةِ معًا، علِمَ أنَّه قارِنٌ بينَهما بإحْرامٍ واحدٍ، ودخَلَتِ العُمرةُ في أعْمالِ الحجِّ.