باب الاعتكاف في خيمة في المسجد
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، حدثنا المعتمر بن سليمان، حدثني عمارة بن غزية؛ سمعت محمد بن إبراهيم، عن أبي سلمة
عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتكف في قبة تركية على سدتها قطعة حصير، قال: فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة، ثم أطلع رأسه فكلم الناس (2).
اعتكَف النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في شهرِ رمَضانَ، مُتحرِّيًا للَيلةِ القدرِ، وأمَرَنا أن نَتحرَّاها في العَشرِ الأواخِرِ مِن الشَّهرِ، وخاصَّةً في ليالي الوِتْرِ.
وفي هذا الحديثِ بيانٌ لبعضِ هَدْيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وتوجيهاتِه في هذا، حيثُ يَحكي أبو سَعيدٍ الخُدْريُّ رَضِي اللهُ عَنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "اعتَكَف"، والاعتكافُ: هو الانقِطاعُ للعبادةِ في المسجِدِ مُدَّةً مُعيَّنةً، وعدَمُ الخروجِ مِنه، وفي روايةِ مُسلِمٍ: "اعتَكَف العَشْرَ الأُوَلَ مِن رمَضانَ، ثمَّ اعتَكَف العَشْرَ الأَوْسَطَ"، قال أبو سَعيدٍ رَضِي اللهُ عَنه: "في قُبَّةٍ تُركيَّةٍ على سُدَّتِها قِطعةُ حَصيرٍ"، أي: في خَيمةٍ تُركيَّةٍ على بابِها حَصيرٌ يَسُدُّها؛ حتَّى لا يَنظُرَ إليه أحَدٌ، قال أبو سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنه: فأخَذ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "الحصيرَ بيَدِه فنَحَّاها في ناحيةِ القُبَّةِ"، أي: أبعَدَها عن البابِ، ووَضَعها في جانبٍ مِن الخيمةِ، "ثمَّ أطْلَع رأسَه فكلَّم النَّاسَ"، أي: أظهَرَ رأسَه فقَط مِن الخيمةِ، فكلَّم النَّاسَ الَّذين في المسجِدِ، وفي روايةِ مُسلِمٍ: "فدَنَوْا منه، فقال: إنِّي اعتَكَفتُ العشْرَ الأوَّلَ ألتَمِسُ هذه اللَّيلةَ ثمَّ اعتَكَفتُ العَشرَ الأوسَطَ ثمَّ أتيتُ"، أي: أتاني جبريلُ عليه السَّلامُ أو رأيتُ في المنامِ، وفي روايةٍ أخرى: "أنَّ جِبْريلَ أتاه في المرَّتَينِ فقالَ له: إنَّ الَّذي تَطلُبُ أمامَك فقيل لي: إنَّها في العَشْرِ الأَواخِرِ؛ فمَن أحَبَّ مِنكم أن يَعتَكِفَ فليَعتكِفْ، فاعتكَف النَّاسُ معَه"، ثمَّ أظهَرَ علامَتَها الَّتي أُرِيَها، فقال: "وإنِّي أُريتُها ليلةَ وِترٍ، وأنِّي أَسجُدُ صَبيحتَها في طينٍ وماءٍ، فأصبَح مِن ليلةِ إحْدى وعِشْرينَ وقد قام إلى الصُّبحِ، فمَطَرَت السَّماءُ، فوَكَفَ المسجِدُ"، أي: سالَ ماءُ المطَرِ مِن سَقفِه، وتَبلَّلَ المسجِدُ، "فأبصَرتُ الطِّينَ والماءَ، فخَرَج حينَ فَرَغ مِن صلاةِ الصُّبحِ وجَبينُه"، أي: جَبهتُه ومُقدَّمُ رأسِه، "ورَوْثةُ أنفِه"، أي: طرَفُ أنفِه، "فيهِما الطِّينُ والماءُ، وإذا هي ليلةُ إحْدى وعِشْرينَ مِن العَشْرِ الأواخِرِ"، أي: كانت ليلةُ القَدْرِ في هذه السَّنَةِ ليلةَ إحْدى وعِشْرين، وجاءَت على الصِّفةِ الَّتي أخبَر بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وقد اختُلِف في تحديدِ ليلةِ القدْرِ على أقوالٍ كثيرةٍ، وأَرْجاها أنَّها في أوتارِ العَشْرِ الأواخِرِ، كما بيَّنَتْها السُّنَّةُ المطهَّرةُ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على الْتِماسِ ليلةِ القدرِ.
وفيه: أنَّ المعتكِفَ يَمكُثُ في مُعتكَفِه ولا يَخرُجُ مِنه إلَّا لِضرورةٍ أو حاجةٍ.