باب حد القذف
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا ابن أبي عدي، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة
عن عائشة، قالت: لما نزل عذري، قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم
حادثةُ الإفْكِ الَّتي رُمِيَتْ بها بُهتانًا وكَذِبًا أُمُّ المؤمنينَ عائِشةُ رضِيَ اللهُ عنها، كانتْ من أعظمِ الحَوادثِ، وكانت اخْتِبارًا حقيقيًّا لصِدْقِ الإيمانِ لدَى كَثيرٍ مِنَ المسلِمينَ، وقد أَنْزَلَ اللهُ بَيانًا واضِحًا لبَراءتِها، وهذا مِنْ فَضْلِ اللهِ عليها وعلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والأُمَّةِ كُلِّها.
وفي هذا الحَديثِ تَحكِي أمُّ المؤمنين عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها أنَّه لَمَّا نزَلَ في القرآنِ الكريمِ عُذرُها وبَراءتُها ممَّا اتَّهمها به أهلُ الإفكِ "قام النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم على المِنبَرِ، فذَكَر ذاك, وتَلا"، أي: ذكَر ما يُبرِّئُها مِن الآياتِ, "فلمَّا نزَل مِنَ المنبَرِ أمَر بالرَّجُلَينِ والمَرأةِ", والرَّجُلانِ: حسَّانُ بنُ ثابتٍ، ومِسْطَحُ بنُ أُثاثةَ، والمرأةُ: حَمْنةُ بنتُ جَحشٍ, "فضُرِبوا حَدَّهم", أي: طُبِّق عليهِم حدُّ القَذفِ؛ حيثُ ثبَت أنَّهم تَكلَّموا وخاضَوا وقذَفوا أمَّ المؤمنِينَ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها بالفاحشةِ ولم يَرَوا، ولا بَيِّنةَ لهم ولا شُهود، وأمَّا غيرُهم ممَّن خاضَ في الأمْرِ ولم يُقَمْ عليهم الحدُّ فلَعلَّه لم يَثبُتْ عليهم أنَّهم رَمَوْها بالقذفِ؛ ولذلك لم يَضرِبْهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الحدَّ، بل لم يَضرِبْ إلَّا مَن ثبَت عليه التكلُّمُ بالرَّمْيِ والقذفِ. أو لم يُحَدَّ غيرُهم- كرأسِ المنافقين عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ ابنِ سَلولَ-؛ لأنَّ له مَنعةً ويُخشَى من إقامةِ الحَدِّ عليه تَفريقُ الكلمةِ وظُهورِ الفتنةِ. أو لم يُحَدَّ عدوُّ اللهِ؛ لكي لا يُخفَّفَ عنه العَذابُ العظيمُ المعدُّ له في الآخِرَة؛ فإنَّه لو حُدَّ في الدُّنيا لكان نَقصًا مِن عذابِه وتَخفيفًا عنه.