باب التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة أو الليلة المطيرة
حدثنا مسدد، حدثنا إسماعيل، أخبرني عبد الحميد، صاحب الزيادي، حدثنا عبد الله بن الحارث، ابن عم محمد بن سيرين، أن ابن عباس، قال لمؤذنه في يوم مطير: " إذا قلت: أشهد أن محمدا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم "، فكأن الناس استنكروا ذلك، فقال: «قد فعل ذا من هو خير مني، إن الجمعة عزمة، وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين والمطر»
الصلاة عماد الدين، ولا يسع المسلم تركها في حضر ولا سفر، ولا سلم ولا حرب، ولكن الشرع الحنيف راعى أحوال الناس في الاضطرار والشدة والخوف والأمن
وفي هذا الحديث يخبر التابعي محمد بن سيرين أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال لمؤذنه في يوم شديد المطر: إذا انتهيت في أذانك إلى: «أشهد أن محمدا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة»، وقل مكانها: «صلوا في بيوتكم»؛ حتى يسمع الناس هذه الرخصة فلا يخرجوا، وكان ذلك في صلاة الجمعة كما سيأتي في آخر الرواية، فكأن الناس أنكروا ما صرح به من رخصة ترك الجماعة لأجل المطر، فقال لهم ابن عباس رضي الله عنهما: «فعله من هو خير مني» يقصد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أوضح ابن عباس الأسباب، فقال: «إن الجمعة عزمة»، أي: واجبة على كل من سمع النداء من الرجال المكلفين المقيمين، وإني كرهت أن أحرجكم، أي: أشق عليكم وأجعلكم في ضيق، وهناك الرخصة والسعة التي تيسر عليكم. وقيل: معنى: «أحرجكم» أكون سببا في اكتسابكم للإثم عند حرج صدوركم؛ فربما يقع من أحدكم تسخط، أو كلام غير مرضي؛ وذلك لمشيكم في الطين الذي يؤدي إلى الانزلاق والوقوع؛ فالمطر من الأعذار التي تصير العزيمة رخصة، ومن الأعذار المسقطة لصلاة الجماعة.وقوله: «صلوا في بيوتكم» قيل: إنما هو على الاختيار لا العزيمة، وهو راجع إلى مشيئة المصلي واختياره؛ فإن شاء بقي في بيته، وإن شاء خرج إلى المسجد
وفي الحديث: بيان جانب من التخفيف والتيسير على الناس في مثل هذه الأحوال
وفيه: أن المطر من الأعذار المسقطة لصلاة الجمعة والجماعة