باب التسليم والاستئذان ثلاثا
بطاقات دعوية
عن أبي سعيد الخدري قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثا فلم يؤذن لي، [وكأنه كان مشغولا 3/ 6]، فرجعت [ففرغ عمر، فقال: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس؟ ائذنوا له، قيل: قد رجع، فدعاه]، فقال: ما منعك (وفي رواية: ما حملك على ما صنعت؟ 8/ 157)، قلت: استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي، فرجعت، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له، فليرجع"، فقال: والله لتقيمن عليه بينة [أو لأفعلن بك، فانطلق إلى مجلس من الأنصار] [فسألهم:] أمنكم أحد سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك
كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يَمْتثِلونَ أَمْرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويَلْتَزِمونَ بِآدابِ الإسلامِ، وقد سَطَّروا في ذلك أرْوَعَ المواقِفِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التابعيُّ عُبيدُ بنُ عُميرٍ أنَّ أبا مُوسَى عبدَ اللهِ بنَ قَيْسٍ الأَشْعَريَّ رَضيَ اللهُ عنه، اسْتأذَنَ ثَلاثًا -كما في رِوايةِ الصَّحيحَينِ- للدُّخولِ عَلَى الخليفةِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، فلمْ يُؤذَنْ له؛ لِانشغالِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه، فلمَّا فَرَغَ عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه أَمَرَ بإدخالِهِ، فقيل له: إنَّه قد رَجَعَ، فلمَّا دَعاهُ واسْتَفْهمَ مِنه عن سَبَبِ عدَمِ انتظارِهِ، أخْبَرَهُ أنَّ هذا هو ما كان يَأمُرُ به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصَّحابَةَ؛ فقد قال -كما في الصحيحين-: «إذا استأذَنَ أحدُكم ثَلاثًا فلمْ يُؤذَنْ له فلْيرجِعْ»، فتَعَجَّبَ عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه مِن خَفَاءِ هذا الأَمْرِ البَيِّنِ عليه مع مُلازَمَتِهِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَضَرًا وسَفرًا، وخَشِيَ أنْ يكونَ أبو مُوسى رَضيَ اللهُ عنه قد وَهِمَ، فَطالَبَه بإحْضارِ مَن يَشْهدُ معه بهذه السُّنَّةِ؛ حتَّى لا يَستَهينَ النَّاسُ في نِسْبَةِ شَيءٍ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فانْطَلَقَ أبو مُوسى وذَهَب إلى مَجْلِسِ الأنْصارِ، فطَلَبَ منهم مَن يَشهَدُ معه على صِحَّةِ نِسبةِ هذا الحديثِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَمَّا كان هذا الأمرُ مَعروفًا مَشْهورًا بيْن الأنصارِ أَرسَلوا مع أبي مُوسَى رَضيَ اللهُ عنه أَحَدَ صِغارِ الصَّحابةِ رِضْوانُ اللهِ عليهم، وهو أبو سَعِيدٍ الخُدْريُّ رَضيَ اللهُ عنه، فذَهَبَ معه إلى عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه وشَهِدَ بصِحَّةِ نِسبةِ هذا الحديثِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا عَلِمَ عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه بصِحَّةَ هذه السُّنَّةِ، مع أنَّها مِن السُّننِ الظَّاهرةِ؛ أَرجَعَ سَببَ خَفَائِها عليه إلى كَونِه انشَغَلَ بالتِّجارةِ والصَّفْقِ بالأسواقِ، والصَّفْقُ هو: ضَرْبُ اليَدِ على اليَدِ عند البَيْعِ.
وفي الحَديثِ: ضَرورةُ التَّحَرِّي في نِسبةِ الأقوالِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: أنَّ قولَ الصَّحابيِّ: «كُنَّا نُؤمَرُ»، المرادُ به: أَمْرُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لهم.
وفيه: عَمَلُ كِبارِ الصَّحابةِ بالتِّجارةِ والتَّكَسُّبِ لمَعاشِهم.
وفيه: خُضوعُ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم لِمَا ثَبَتَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقَبولُهم له.
وفيه: أنَّ الرَّجُلَ العَالِمَ قد يُوجَدُ عِندَ مَن هو دونَه في العِلْم ما ليس عِندَه.
إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم فقمت معه، فأخبرت عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك، [فقال عمر: أخفي علي [هذا] من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! ألهاني الصفق بالأسواق. يعني الخروج إلى تجارة].