باب زنا الجوارح دون الفرج
بطاقات دعوية
عن ابن عباس قال:
ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:
خَلَق اللهُ تعالَى النَّاسَ في هذِه الحياةِ؛ لِيَبتلِيَهم ويَختبِرَهم؛ فمَن أطاعَ ربَّه وعَصى هَواه، كان جَزاؤُه الجنَّةَ في الآخِرَةِ، ومَن عَصى ربَّه واتَّبَع هَواه، كان مِن أهلِ النَّارِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما عن تَفْسيرِ «اللَّمَمِ» -وهو ما يُلِمُّ به الإنسانُ مِن شهَواتِ النَّفسِ، وهي صَغائرُ الذُّنوبِ- الوارِدِ في قَوْلِ اللهِ تعالَى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم: 32]، وأصلُ اللَّمَمِ والإلمامِ: المَيلُ إلى الشَّيءِ وطَلَبُه مِن غيرِ مُداومةٍ، فذكر ابنُ عَبَّاسٍ أنَّه لم يَرَ شَيئًا «أشْبَهَ باللَّمَمِ» أي: أقرَبَ ما يُفَسَّرُ به اللَّمَمُ، ممَّا رواهُ أبو هُرَيْرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «إنَّ اللهَ كَتَب» في اللَّوْحِ المحفوظِ على كلِّ فردٍ مِن بَني آدَمَ حَظَّه ونَصِيبَه مِنَ الزِّنَا، وأنَّ ذلك مُدرِكُه ومُصِيبُه، ولا حِيلَةَ له في دفعِه، فمن كُتِب عليه شيءٌ من ذلك فلا بُدَّ أن يُصيبَه، ولا بدَّ أن يَفعَلَه، ولكِنْ ليس مُجبَرًا عليه، بل باختياره؛ «فزِنَا العينِ النَّظَرُ» لِمَا حرَّم اللهُ النَّظرَ إليه، كالنَّظرِ إلى النِّساءِ الأجنبيَّاتِ دونَ ضَرورةٍ أو حاجةٍ شَرعيَّةٍ، «وزِنَا اللِّسانِ المَنطِقُ»، والمرادُ: ما يُتلَذَّذ به مِن الحديثِ مع مَن يَحرُمُ التَّلذُّذُ بالحديثِ معه، وهذا كلُّه مِن دَواعِي الزِّنَا ومُقدِّماتِه؛ ولذا «فالنَّفْسُ تَمَنَّى وتَشتَهِي» فتَهُمُّ بفِعلِ الحرامِ وتتلَذَّذُ بالتفكيرِ فيه، «والفَرْجُ» -وهو العضوُ والجارِحةُ التي يُنفَّذُ بها هذا الفِعلُ المحَرَّمُ- هو الذي «يُصدِّقُ ذلك أو يُكذِّبُه» بفِعلِ الزِّنَا أو تَرْكِه، فإنْ وَقَع في الزِّنَا لم يكُنْ مِن اللَّمَمِ، بلْ كَبِيرَةً.
وعلى هذا فإنَّ الزِّنا لا يختَصُّ بالفَرجِ، وإنما هو نوعانِ: زِنا الفَرْجِ، وزِنا الجوارحِ، فالجوارحُ كُلُّها تزني زنًا يأثَمُ عليه الإِنسانُ، ولكِنَّه أقَلُّ إثمًا من زِنا الفَرْجِ، فزِنا العَينِ النَّظَرُ إلى المرأةِ الأجنبيَّةِ بشَهوةٍ، وزِنا اللِّسانِ التحَدُّثُ إليها بشَهوةٍ، ويقاسُ على ذلك بقيَّةُ الجوارحِ.
وفي الحَديثِ: عدَمُ التَّساهُلِ في صَغائرِ الذُّنوب؛ لأنَّها دَواعِي الكبائرِ ومُقدِّماتُها.
وفيه: رَبطُ الصَّحابةِ مَعانيَ القُرآنِ بمعاني السُّنَّةِ، وأنَّ كُلًّا منهما يوضِّحُ الآخَرَ.
"إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه".