باب التشهد
حدثنا تميم بن المنتصر، أنا إسحاق يعني ابن يوسف ، عن شريك ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال: «كنا لا ندري ما نقول إذا جلسنا في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم، فذكر نحوه
الصلاة عماد الدين، وقد علمنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كيفيتها وما يقال فيها من أدعية، وكيف ومتى تقال، ومن ذلك: التشهد بعد الركعتين، أو التشهد الأخير من كل صلاة، وهذا الحديث فيه بيان بعض ذلك، حيث يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "كنا لا ندري ما نقول في كل ركعتين"، أي: في آخر كل ركعتين، والمراد به التشهد الأوسط والأخير، "غير أن نسبح ونكبر ونحمد ربنا"، أي: كنا لا نعلم ماذا نقول، إلا أننا كنا نذكر الله بالتسبيح والتكبير والحمد، فنقول: سبحان الله، والله أكبر، والحمد لله، "وإن محمدا صلى الله عليه وسلم علم"، أي: علمه ربه عز وجل؛ إما بالوحي عن طريق جبريل عليه السلام، أو بالإلهام والإلقاء في الروع، "فواتح الخير وخواتمه"، أي: علمه الله عز وجل كل ما فيه خير لأمته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قعدتم في كل ركعتين، فقولوا: التحيات لله"، وهي جمع تحية، ومعناها: السلام، أو السلامة من الآفات والنقص، وقيل: الملك، وقيل: البقاء، وقيل: العظمة، وقيل: المراد بالتحيات أنواع التعظيم، والمعنى: أنها كلها مستحقة لله تعالى
قوله: "والصلوات"، قيل: المراد: الصلوات الخمس، وقيل: العبادات كلها، وقيل: الدعوات، وقيل: الرحمة، وقيل: التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات الفعلية، والطيبات العبادات المالية، "والطيبات" قيل: هي ما طاب من الكلام، وقيل: ذكر الله خاصة، وقيل: الأعمال الصالحة عامة، وقوله: "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"، والسلام بمعنى التحية، أي: نوجه إليك التحية والسلام، وقيل: بمعنى السلامة، أي: سلمت من كل مكروه، وقيل: بمعنى اسم الله، أي: بركة اسم الله عليك، والبركة: هي الزيادة في الخير، "السلام علينا"، أي: على أنفسنا، "وعلى عباد الله الصالحين"، وهم القائمون بأمر الله وحقوقه وحقوق عباده؛ فعلمهم أن يفردوه صلى الله عليه وسلم بالذكر؛ لشرفه ومزيد حقه عليهم، ثم علمهم أن يخصوا أنفسهم؛ لأن الاهتمام بها أهم، ثم أمرهم بتعميم السلام على الصالحين؛ إعلاما منه بأن الدعاء للمؤمنين ينبغي أن يكون شاملا لهم
وقوله: "أشهد أن لا إله إلا الله"، وفي رواية بزيادة: "وحده لا شريك له"، فهذه هي الشهادة لله سبحانه بالتوحيد، وأنه لا معبود بحق إلا هو سبحانه. وقوله: "وأشهد أن محمدا عبده ورسوله"، أي: أقر بأن محمد بن عبد الله هو رسول من عند الله للناس أجمعين
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه"، أي: يتخير ما شاء من الأذكار والأدعية بعد التشهد، ويتحرى من الأدعية ما ورد في السنة، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد وقبل السلام ما جاء في صحيح مسلم وسنن أبي داود -واللفظ له- عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول بعد التشهد: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات"