باب التطبيق 1

سنن النسائي

باب التطبيق 1

أخبرنا إسمعيل بن مسعود، قال: حدثنا خالد بن الحارث، عن شعبة، عن سليمان، قال: سمعت إبراهيم يحدث، عن علقمة، والأسود، أنهما كانا مع عبد الله في بيته فقال: أصلى هؤلاء؟ قلنا: نعم، فأمهما وقام بينهما بغير أذان ولا إقامة، قال: «إذا كنتم ثلاثة فاصنعوا هكذا، وإذا كنتم أكثر من ذلك فليؤمكم أحدكم وليفرش كفيه على فخذيه، فكأنما أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم»

نَقل الصَّحابةُ الكرامُ سُنَّةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِمَن بَعدَهم وفصَّلوا ما رَأوْه وما سَمِعوه وما عَلِموه عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وذلك بالقولِ والفِعلِ
وفي هذا الحديثِ يُخبرُ التَّابعيَّانِ علقَمةُ بنُ قيسٍ النَّخعيُّ، والأسوَدُ بنُ يزيدَ النَّخعِيُّ، "أنَّهما كانَا مع عبدِ اللهِ"، وهو ابنُ مسعودٍ، "في بيتِه، فقال: أصلَّى هؤلاء؟" يَعني الأميرَ، والَّذين يَتْبعونَه، وفيه إشارةٌ إلى إنكارِ تأخيرِهِم الصَّلاةَ، "قُلنا : نَعمْ"، أي: قدْ صلَّوْا، وفي رِوايةٍ عند مُسلمٍ: أنَّه لمَّا سألَهم قالوا: "لا"، لم يُصلُّوا، فيَحتمِلُ أنَّ الواقعةَ كانتْ مَرَّتين، أو أرادَا بِقولِهما: "نعمْ" بعضَ مَن صلَّى مُراعاةً لأوَّلِ الوقتِ، وبقولِهما: "لا" الَّذين أخَّروا مُتابعةً للأميرِ، قالا: "فأمَّهُما وقام بينَهما"، أي: تَوسَّط بَينَهما في القِيامِ للصَّلاةِ، وهذا اجتهادُ ابنِ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه، وقد خالَفه فيه جُمهورُ العُلماءِ من الصَّحابةِ، فمَن بعدَهم، فقالوا: إذا كان مَع الإمامِ رَجُلان، وَقفا وراءَه صَفًّا، "بغيرِ أَذانٍ ولا إقامةٍ، وهذا أيضًا مذهَبُه واجتهادُه رضِيَ اللهُ عنه أنَّه لا يُشرعُ الأذانُ، ولا الإقامةُ لِمَن صلَّى وحْدَه ولِمَنْ لم يُصلِّ في مَسجدِ الجماعةِ، والذي عليه أكثرُ العُلماءِ مَشروعيَّتُهما لكُلِّ مُصلٍّ
ثُمَّ قال ابنُ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه: "إذا كُنتُم ثلاثةً فاصنَعوا هكذا"، يعني بذلك القِيامَ مع الإمامِ صَفًّا واحدًا، "وإذا كُنتم أكثرَ من ذلك فليَؤُمَّكم أحدُكم"، أي: فليتَقدَّمْ أحدُكم عليكُم إمامًا، وصَفُّوا أنتم وراءَه، "وليَفرِشْ كفَّيه"، أي: يَبسُطْهُما وليجَعلْهما كالفِراشِ "على فَخِذَيه"، والظَّاهرُ أنَّه أراد بالكَفَّينِ هنا الذِّراعين؛ يُبيِّن ذلك روايةُ مُسلمٍ، وفيها: "وإذا رَكَع أحدُكم، فليَفْرِشْ ذراعَيْه على فَخِذَيه، ولْيَجنَأْ، وليُطبِقْ بين كَفَّيه"، وقيل: ليجعَلْهما كالفِراش لَهما، أي: ليَضعْهما على فَخِذيه فِي التَّشهُّدِ
 ثُمَّ قال: "فكأنَّما أنظُرُ إلى اختِلافِ أصابعِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، أي: أرى تَداخلَ أصابعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عندما يُطبقُها، وهذا الكلامُ من ابنِ مسعودٍ يدُلُّ على شِدَّةِ استِحضارِه لصُورةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ذِهنِه وكأنَّه يَراها بالبَصرِ، تَنبيهًا على تَحقُّق الأمرِ، والتَّطبيقُ هو أنْ يَجمعَ بين أصابِعِ يَديْهِ ويَجعلَها بين رُكبتَيه في الرُّكُوع والتَّشهُّدِ، وهو منسوخٌ بالاتِّفاقِ