باب التغليظ في الحيف والرشوة 2
سنن ابن ماجه
حدثنا علي بن محمد، حدثنا وكيع، حدثنا ابن أبي ذئب، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمةعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لعنة الله على الراشي والمرتشي" (1).
الرِّشْوةُ هي ما يُعْطى ويُبذَلُ لإبطالِ حقٍّ، أو لإحقاقِ باطلٍ؛ وقد نهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عنها وحذَّر منها تحذيرًا شديدًا، كما في هذا الحديثِ، حيثُ يقولُ أبو هريرةَ رَضِي اللهُ عنه: "لعَن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: دَعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بالطَّردِ مِن رَحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ على مَن يَفعَلُ هذه الأفعالَ، وهذا يدلُّ على أنَّها مِن كَبائِرِ الذُّنوبِ، "الرَّاشيَ"، أي: الدَّافعَ للرِّشْوةِ، "والمرتشِيَ"، أي: الآخِذَ للرِّشْوةِ وقابِضَها، "في الحُكمِ"، أي: الَّتي يأخُذُها الحُكَّامُ وأولياءُ الأمرِ لِقَضاءِ أمرٍ وإتمامِه على خِلافِ ما يَجِبُ أن يكونَ.
ورُوِيَ "والرَّائِشَ"، وهو الَّذي يَمْشي بينَ الرَّاشي والمرتشِي كواسطةٍ، وهذا كلُّه على وَجهِ العُمومِ في التَّحريمِ.
وقيل: ولا يَدْخُلُ في اللَّعنِ مَن رَشَا لِيَصِلَ إلى حَقِّه الممنوعِ عنه، إذا اضْطُرَّ إلى ذلك، وأمَّا المُرْتَشِي منه لِيُوصِلَه إلى حَقِّه، فهو داخلٌ في اللَّعنِ؛ لأنَّه يَأخُذُ العَطاءَ بلا حقٍّ له فيه؛ ليُوصِلَ الحقَّ لأصحابِه مع أنَّه مأمورٌ شرعًا بإيصالِ الحقوقِ لأصحابِها.
وقيل: إنَّ الآخِذَ إذا أخَذ لِيَسعى في نَوالِ صاحِبِ الحقِّ لحَقِّه فلا بأسَ به، لكن هذا يَنْبغي أن يَكونَ في غيرِ القُضاةِ والوُلاةِ؛ لأنَّ السَّعيَ في إصابةِ الحقِّ إلى مُستَحِقِّه، ودفْعِ الظَّالمِ عن المظلومِ- واجبٌ عليهم، وإلَّا فليسَ لهم الأخذُ عليه.
وفي الحَديثِ: التَّرهيبُ الشَّديدُ مِن أخْذِ الرِّشوةِ ودَفْعِها.