باب الحاكم يجتهد فيصيب الحق 1
سنن ابن ماجه
حدثنا هشام بن عمار، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، حدثنا يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن بسر بن سعيد، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص
عن عمرو بن العاص، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر".
قال يزيد: فحدثت به أبا بكر بن عمرو بن حزم، فقال: هكذا حدثنيه أبو سلمة عن أبي هريرة (2).
الحُكمُ بين النَّاسِ يَنبغي أن يكونَ مَبنيًّا على عِلمٍ، ولا يَتولَّى القَضاءَ إلَّا العُلماءُ العارِفونَ بأحكامِه وضَوابطِه حتَّى يَتِمَّ القضاءُ بالعدلِ وعن عِلمٍ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه إذا أراد الحاكمُ والقاضي أن يَحكُمَ بين طَرَفَينِ، فاجتَهَد وتَحرَّى الصَّوابَ بقَدرِ ما عِندَه من عِلمٍ لاستِخراجِ الحُكمِ الصَّحيحِ منَ النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ، «ثمَّ أصاب» بأن وافَقَ ما في نفسِ الأمرِ من حُكمِ الله، «فله أجرانِ» أجرُ الاجتهاد، وأجرُ إصابةِ الحقِّ، وإذا أراد أن يَحكُمَ، فاجتهَد، «ثمَّ أخطَأَ» بأن وقَع ذلك بغيرِ حُكمِ الله، «فله أجرٌ» واحدٌ، وهو أجرُ الاجتهادِ فقط، وإنَّما يُؤجَرُ المُخطِئُ على اجتِهادِه في طَلَبِ الحَقِّ وبَذلِ الوُسعِ؛ لأنَّ اجتِهادَه عِبادةٌ، ولا يُؤجَرُ على الخَطَأِ، بل يُوضَعُ عنه الإثمُ فَقَط.
فهذا الحديثُ فيمَن كان جامعًا لآلةِ الاجتهاد، عارفًا بالأُصولِ، عالـمًا بوُجوه القياسِ، فأمَّا مَن لم يكُن مَحلًّا للاجتهاد، فهو مُتكلِّفٌ ولا يُعذَرُ بالخطأِ؛ فقد رَوى أبو داوُدَ، عن بُرَيدةَ الأسلَميِّ رَضيَ اللهُ عَنهُ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «القُضاةُ ثَلاثةٌ: واحِدٌ في الجَنَّةِ، واثنانِ في النَّارِ، فأمَّا الذي في الجَنَّةِ فرَجُلٌ عَرَف الحَقَّ فقَضَى به، ورَجلٌ عَرَف الحَقَّ فجار في الحُكمِ؛ فهُو في النَّارِ، ورَجُلٌ قضى للنَّاسِ على جَهلٍ فهو في النَّارِ».
وفي الحديثِ: بيانُ أنَّه لا يَحكَمُ بين النَّاسِ إلَّا العالِمُ بأحكامِ القضاءِ، وأنَّ له أجرًا عَظيمًا على ذلك إذا أصاب، ويُعذَرُ إذا أخطَأ.