باب الجماعة في الليلة المطيرة 4
سنن ابن ماجه
حدثنا أحمد بن عبدة، حدثنا عباد بن عباد المهلبي، حدثنا عاصم الأحول، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل
أن ابن عباس أمر المؤذن أن يؤذن يوم الجمعة، وذلك يوم مطير، فقال: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله. ثم قال له: ناد في الناس فليصلوا في بيوتهم. فقال له الناس: ما هذا الذي صنعت؟ قال: قد فعل هذا من هو خير مني، تأمرني أن أحرج الناس (2) فيأتوني يدوسون الطين إلى ركبهم (3).
حثَّ الشَّرعُ على صَلاةِ الجماعةِ في المسجِدِ، ومع ذلك راعَى ظُروفَ النَّاسِ في بعْضِ الأوقاتِ الحرِجَةِ الَّتي يكونُ الذَّهابُ إلى المسجِدِ فيها صعبًا؛ مِثْل وُجودِ ريحٍ، أو مطَرٍ، أو خوفٍ، أو غيرِ ذلك، وفي هذا الخبَرِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ الحارثِ بنِ نَوْفَلٍ: "إنَّ ابنَ عبَّاسٍ أمَرَ المُؤذِّنَ أنْ يُؤذِّنَ يومَ الجُمعةِ"، أي: لصلاةِ الجُمُعةِ، "وذلك يومٌ مَطيرٌ"، أي: يتساقَطُ فيه المطَرُ بشدَّةٍ، فقال المُؤذِّنُ: "اللهُ أكبَرُ اللهُ أكبَرُ، أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهَدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ"، ثمَّ قال له ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "نادِ في النَّاسِ فلْيُصلُّوا في بُيوتِهم"، وفي الصَّحيحينِ: "أنَّه قال لمُؤذِّنِه في يومٍ مَطيرٍ: إذا قلْتَ: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهَدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، فلا تقُلْ: حيَّ على الصَّلاةِ، قُلْ: صلُّوا في بُيوتِكم"
"فقال له النَّاسُ: ما هذا الَّذي صنَعْتَ؟"، وفي روايةِ الصَّحيحينِ: "فكأَنَّ النَّاسَ استنْكَروا ذاك"، أي: أنَّهم أنْكَروا على ابنِ عبَّاسٍ أمْرَه هذا، فقال ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "قد فعَلَ هذا مَن هو خيرٌ منِّي"، يقصِدُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "تأمُرُني أنْ أُخْرِجَ النَّاسَ مِن بُيوتِهم، فيأتوني يَدوسونَ الطِّينَ إلى رُكَبِهم؟!"، وفي روايةٍ عندَ الشَّيخينِ: قال ابنُ عبَّاسٍ: "إنَّ الجُمعةَ عزْمةٌ"، أي: فرْضٌ، "وإنِّي كرِهْتُ أنْ أُخْرِجَكم، فتَمْشوا في الطِّينِ" يريدُ أنَّ الحرَجَ مدفوعٌ في الدِّينِ، وفي حُضورِهم في المطَرِ حرَجٌ؛ فالأحسنُ إعلامُهم بأنَّ الحرَجَ مدفوعٌ عنهم بمثلِ هذه المُناداةِ، ولولا هذا الإعلامُ لَحَضَروا، وقد ورَدَ في الصَّحيحَينِ عنِ ابنِ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهما: "أنَّه نادى بالصَّلاةِ في ليلةٍ ذاتِ برْدٍ ورِيحٍ ومَطَرٍ، فقال في آخِرِ نِدائِه: ألَا صلُّوا في رِحالِكم، ألَا صلُّوا في الرِّحالِ، ثمَّ قال: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يأمُرُ المُؤذِّنَ إذا كانت ليلةٌ باردةٌ، أو ذاتُ مطَرٍ في السَّفرِ، أنْ يقولَ: ألَا صلُّوا في رِحالِكم".
وفي الحديثِ: تَيسيرُ الشَّرعِ على النَّاسِ ورفْعُه للحرَجِ في وقتِ الاضطرارِ( ).