باب الجهر بقراءة صلاة الفجر
بطاقات دعوية
عن ابن عباس قالَ:
قرَأَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فيما أُمِرَ، وسكَتَ فيما أُمِرَ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا } و {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
بيَّن الله عزَّ وجَلَّ لعباده ما أحلَّ لهم وما حرَّم عليهم، ومن لوازمِ العُبوديَّةِ أن يَقِفَ العَبدُ عند أمْرِه سُبحانَه وتعالى؛ فيَقبَلُ منه سُبحانَه ما أحَلَّه له، ويجتَنِبُ ما حرَّمَه عليه، ولا يتجاوَزُ ذلك بتحليلِ حرامٍ أو تحريمِ حلالٍ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ الرَّجُلَ إذا حَرَّمَ زوْجَتَه على نفْسِه فقال: أنتِ عَليَّ حَرامٌ، أو نحوَ هذا؛ فإنَّ هذا القَولَ ليس بطلاقٍ ولا يترتَّبُ عليه حُكمٌ، وأنَّها لا تكونُ مُحرَّمةً عليه كَبقيَّةِ المُحرَّماتِ للأبدِ، ثمَّ استَدلَّ بقَولِه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، يُشِيرُ بذلك إلى قِصَّةِ تحريمِ ماريَّةَ القِبطيَّةِ، الواردةِ في حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه -عند النَّسائيِّ-: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانت له أمَةٌ يَطَؤُها -يعني: يُجامِعُها- فلم تزَلْ به أمُّ المُؤمِنينَ عائشةُ وحفصةُ رَضِيَ اللهُ عنهما حتى حرَّمها على نَفْسِه، فأنزل اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم: 1].
وروي في الصَّحيحينِ أنَّ سبَبَ نُزولِ تلك الآيةِ ما أخبَرَت به عائشةُ رَضِي اللهُ عَنها قالت: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَمكُثُ عِندَ زَينَبَ بنتِ جَحشٍ، ويَشرَبُ عِندَها عسَلًا، فتَواصَيتُ أنا وحَفصةُ: أنَّ أيَّتَنا دخَل عليها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فلْتَقُلْ: إنِّي أجِدُ مِنك رِيحَ مَغافيرَ، أكَلْتَ مَغافيرَ؟ فدَخَل على إحداهُما، فقالَت له ذلك، فقال: لا، بل شَرِبتُ عسَلًا عِندَ زَينبَ بنتِ جَحشٍ، ولَن أَعُودَ له، فنزلَت: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم: 1]، ولا مانِعَ مِن تَعدُّدِ أسبابِ النُّزولِ.
وقد قيل: إنَّ هذا فيما لم يُشرَعْ فيه التحريمُ من المطاعِمِ وغَيرِها والإماءِ، وأمَّا الزَّوجاتُ فقد شَرَع اللهُ التحريمَ فيهنَّ بالطَّلاقِ، وبألفاظٍ أُخرى، مِثلُ الظِّهارِ وغَيرِه، فالتحريمُ فيهنَّ بأيِّ لفظٍ فُهمَ أو عَبَّر عنه مع نيَّةِ الطَّلاقِ لازمٌ؛ لأنَّه مشروعٌ، وغيرُ ذلك من الإماءِ والأطعمةِ والأشرِبةِ، وسائِرِ ما يُملَكُ، ليس فيه شَرعٌ على التحريمِ، بل التحريمُ فيه منهيٌّ عنه؛ لِقَولِه تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]، وهذه نِعمةٌ أنعَمَ اللهُ بها على محمَّدٍ وأمَّتِه، بخِلافِ ما كان في سائِرِ الأديانِ.