باب الرخصة في ذلك في الكنف، وإباحته دون الصحارى 2
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، قال: سمعت محمد بن إسحاق، يحدث (1) عن أبان بن صالح، عن مجاهد
عن جابر، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تستقبل القبلة ببول. فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها (2).
بيتُ اللهِ الحَرَامِ هو القِبْلَةُ وجِهَةُ المسلِمينَ في الصَّلاةِ؛ يتَّجِهُون إليها مِن كلِّ مكانٍ، وهذا مِن تعظِيمِ اللهِ لها؛ ولهذا شَرَعَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم آدابًا للقِبْلَةِ تَكريمًا لها وتشريفًا.
وفي هذا الحديثِ بعضُ الآدابِ الخَاصَّةِ بالقِبْلَةِ، حيثُ يقولُ جابِرُ بنْ عبدِ الله رضِيَ اللهُ عنهما: نهَى نَبِيُّ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم أن نَستقبِلَ القِبْلَة بِبَوْلٍ، أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم نَهى المسلِمَ وهو يَبُولُ أن يتَّجِه بجَسَدِه نحوَ القِبْلَةِ؛ صِيانَةً لها عَن المواجَهَة بالنَّجَاسَةِ، وإكرَامًا لها. ولا يَقتَصِرُ الأمْرُ على البَوْلِ فحَسْبُ، بل نُهي عن استقبالها بالغَائِطِ أيضًا، كما جاء في أحاديثَ أخرَى أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لا تَستقبِلُوا القِبلَةَ بغَائِطٍ ولا بولٍ».
ثمَّ يقولُ جابِرٌ رضِيَ اللهُ عنه: فرَأيتُه قبل أن يُقبَضَ بعامٍ يستَقْبِلُها، أي: إنَّه رأَى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَستَقِبلُ القِبلَةَ وهو يَبولُ قبلَ وفَاته بعامٍ، وهذا إشارةٌ منه رضِيَ اللهُ عنه إلى نَسْخِ حُكمِ النَّهيِ.
قيل: وفي الاحتِجاجِ بهذا الحَديثِ على نَسْخِ النَّهيِ عن استقبالِ القِبلةِ بالبولِ نظرٌ؛ إذ يَحتمِلُ أنَّ فِعلَه صلَّى الله عليه وسلَّمَ إنَّما كان لعُذرٍ، ويَحتمِلُ أنَّه كان في بُنيانٍ، أو لوجودِ ما يَسترُه، وأنَّ النَّهي مُختَصٌّ بالفضاءِ كالصحراء، وقد كان المعهودُ في حالِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم التَّسَتُّرَ في قضَاء الحاجَةِ ممَّا يقوِّي أنَّه ربَّما كان في بُنْيانٍ. .