باب: الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم 3
سنن النسائي
أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: أنبأنا ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرمي الجمرة وهو على بعيره، وهو يقول: «يا أيها الناس، خذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا»
حرَصَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم على الاقْتداءِ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في كلِّ شيءٍ، لا سيَّما العِباداتُ، ومنها فريضةُ الحجِّ، الَّتي تؤخَذُ أرْكانُها وسُننُها وآدابُها من هَديِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الَّذي فصَّلَ ما أجمَلَه القرآنُ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ الصَّحابيُّ الجَليلُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهُما أنَّه رَأى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو في حجَّةِ الوَداعِ -والَّتي كانتْ في السَّنةِ العاشرةِ منَ الهجرةِ- يَرْمي جَمرةَ العَقَبةِ راكبًا راحلَتَه -وهي الناقةُ الَّتي يَرتحِلُ عليها- يومَ النَّحرِ، يَعني: رَميَه لِلجَمرةِ في يومِ العيدِ في العاشِرِ من ذي الحِجَّةِ، وكونُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَمى راكبًا؛ ليُظهِرَ للنَّاسِ فِعلَه، وكان يَقولُ للنَّاسِ: «لِتَأْخُذوا مَناسكَكم»، أي: تَعلَّموا مِنِّي واحفَظوا الأحْكامَ الَّتي أَتيْتُ بها في حَجَّتي مِنَ الأَقوالِ والأَفعالِ، فخُذوها عَنِّي واعَمَلوا بِها، وعَلِّمُوها النَّاسَ؛ وبيَّنَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سببَ ذلك فقال: «فإِنِّي لا أَدْرِي لعلِّي لا أَحُجُّ بعدَ حَجَّتي هذِه»، وهذا إشارةٌ إلى تَوديعِهم، وإعْلامِهم بقُربِ وَفاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وحثَّهم على الِاعْتِناءِ بالأَخْذِ عنه، وانتِهازِ الفُرصةِ مِن مُلازَمتِه وتَعلُّمِ أُمورِ الدِّينِ؛ ولِهذا سُمِّيتْ حَجَّةَ الوَداعِ
وفي الحَديثِ: أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَّتَه بأخْذِ أُمورِ الدِّينِ، ولا سيَّما المناسِكُ عنه، وألَّا يَعمَلوا بهَواهُم، وإنَّما يتَّبِعونَ ما سَنَّ لهم