باب الرياء والسمعة3

سنن ابن ماجه

باب الرياء والسمعة3

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا: حدثنا بكر بن عبد الرحمن، حدثنا عيسى بن المختار، عن محمد بن أبي ليلى، عن عطية العوفي  عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من يسمع يسمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به" (1)

جعَلَ اللهُ سُبحانَه وتَعالَى الجزاءَ مِن جِنسِ العملِ؛ فمَن أخْلَصَ في عَلمِه ونَوى به وَجْهَ اللهِ، فلهُ الجزاءُ الأَوفى، ومَن عَمِلَ بنِيَّةٍ مُغايرةٍ لذلك، فإنَّ اللهَ سُبحانه يُعامِلُه بما يُناقِضُ مَقصودَه، وبما يُخالِفُ نيَّتَه في هذا العملِ حتَّى يَرتدِعَ في نفْسِه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «مَن يُسَمِّع يُسَمِّعِ اللهُ به»، أي: مَن أعلَن عُيوبَ النَّاسِ وفضَحَهم ولم يَستُرْ عليهم بما أمَرَه اللهُ عَزَّ وجلَّ، يَفضَحُه اللهُ عزَّ وجلَّ، ويكشفُ سِتْرَه في الدُّنيا ويومَ القيامَةِ أمامَ الخَلائِق، ويُظهِر ما كان يُخفِيه عنهم، وكذلك مَن طلَب بعَمَلِه الثَّنَاءَ والمدحَ من النَّاسِ وطَلَب السُّمْعَةَ والشُّهرةَ بأمرٍ ما بيْن النَّاسِ.
«ومَن يُرَائِي» فيَطلُبُ بعمَلِه غيرَ الإخلاصِ، وليتَحدَّثَ النَّاسُ به طلبًا للثَّنَاءِ والمدحِ، والرِّياءُ: تَرْكُ الإخلاصِ في الأقوالِ والأعمالِ؛ بأنْ يقولَ قوْلًا أو يعمَل عملًا لا يُريدُ به وجهَ اللهِ عزَّ وجلَّ، «يُرَائي اللهُ به»، والمعنى: أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَجعَل ثَوابَ المرائِي وعَملَه للنَّاسِ ولا يُجازيه عليه، فاللهُ عزَّ وجلَّ لا يَقبَلُ عَمَلًا إلَّا ما كان خالِصًا لوَجهِه الكريمِ.
وقيل: إنَّ السُّمْعَةَ والرِّياءَ مُتشابِهانِ، والفَرْقُ بيْنهما أنَّ السُّمْعَة تَتعلَّقُ بحاسَّةِ السَّمْعِ، والرِّياءُ يتعلَّقُ بحاسَّةِ البَصَرِ، وهذا الجزاءُ المذكورُ هنا لِمَن سَمَّع أو رَاءَى مِن جِنْس عَملِه، حيثُ يُظهِرُ اللهُ سَرِيرَته وفَسادَ نيِّتَه أمامَ النَّاسِ في الدُّنيا أو في الآخِرَة، وربما يكونُ المرادُ أنَّ اللهَ يُشَهِّر عملَه في الدُّنيا ويُعرِّفه للنَّاس ثُم يُؤاخِذُه عليه في الآخِرة، كما قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20].
وفي الحَديثِ: التَّحذِيرُ مِن طلَبِ الرِّياءِ والسُّمْعَةِ في الأعمالِ، وأنَّ على الإنسانِ إخْلاصَ النِّيَّةِ للهِ وحْدَه.