باب السلم إلى من ليس عنده أصل
بطاقات دعوية
عن محمد بن أبي المجالد؛ قال: بعثني عبد الله بن شداد وأبو بردة إلى عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، فقالا: سله؛ هل كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلفون في الحنطة؟ قال عبد الله: كنا نسلف [على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر] نبيط (1) أهل الشام، (وفي رواية: كنا نصيب المغانم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان يأتينا أنباط من أنباط الشام، فنسلفهم 3/ 46) في الحنطة والشعير والزيت (وفي رواية: والزبيب) في كيل معلوم، إلى أجل معلوم. قلت: إلى من كان أصله عنده؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك. ثم بعثاني إلى عبد الرحمن بن أبزى، فسألته؟ فقال: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلفون على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم نسألهم ألهم حرث أم لا؟
السَّلَفُ أوِ السَّلمُ هو أنْ يَبيعَ الرَّجلُ سِلعةً غيرَ مَوجودةٍ ويَصِفَها بما يُميِّزُها، ويُحدِّدَ أجَلًا لِقبْضِ هذه السِّلعةِ، مع دفْعِ ثَمنِها مُقدَّمًا.
وفي هذا الحديثِ يُخْبرُ التابعيُّ محمَّدُ بنُ أبي المُجالِدِ أنَّ عبْدَ اللهِ بنَ شدَّادِ بنِ الهادِ وأبا بُرْدَةَ بنَ أبي مُوسى الأشعريَّ أرْسَلاهُ بعْدَ أنْ وَقَعَ بيْنهما خِلافٌ -كما في رِوايةٍ للبُخاريِّ- لِيَسأَلَ الصَّحابيَّ عبدَ اللهِ بنَ أبي أَوْفى رَضيَ اللهُ عنهما: هلْ كان أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُسلِفُونَ في الحِنْطَةِ -وهي القمْحُ-؟ فقال عبدُ اللهِ بنُ أبي أَوْفى: كنَّا نُسْلِفُ نَبيطَ أهلِ الشَّامِ، وفي روايةِ للبُخاريِّ: «كَانَ يَأْتِينَا أَنباطٌ مِن أَنْباطِ الشَّامِ»، وهم قوْمٌ مِنَ العربِ دَخَلوا في العجَمِ والرُّومِ، واختلَطَتْ أنسابُهم وفَسَدَتْ ألْسنتُهم، وكان الَّذين اختَلَطوا بِالعجَمِ منهم يَنزِلونَ البطائحَ بيْن العِراقَينِ، والَّذين اختَلطوا بِالرُّومِ يَنزِلونَ في بَوادي الشَّامِ، ويُقال لهم: النَّبَطُ، والنَّبِيطُ، والأنباطُ، قيل: سُمُّوا بذلك؛ لِمعرفتِهم بإِنْباطِ الماءِ، أي: استخراجِه؛ لِكثرةِ مُعالجتِهمُ الفِلَاحةَ، فكانوا يُسلِفونَهم في الحِنْطَةِ، وَالشَّعيرِ، والزَّيتِ -وفي رِوايةٍ: والزَّبيبِ- في كَيلٍ مَعلومٍ، إلى أجَلٍ مَعلومٍ، يعني: يَشترونَ منهم هذه الأصنافَ ويُحدِّدونَ الكيلَ والميعادَ الَّذي يَستَلمونَ فيه هذه الأشياءَ، فقال له ابنُ أبي المُجالِدِ: «هلْ كان السَّلَمُ إلى مَن كان أصْلُه عندَه»، أي: هل كان السَّلَمُ إلى مَن عندَه زَرعٌ؟ فهلْ يَصِحُّ السَّلمُ في قَمحٍ لِمَنْ لا يَزرَعُه، وفي العِنَبِ لِمَن لم يَملِكْ شَجَرةَ عِنَبٍ؟ فقال عبدُ اللهِ بنُ أبي أَوْفى: ما كنَّا نَستفصِلُ عَن ذلك.
ثُمَّ بعَثَ عبدُ اللهِ بنُ شَدَّادٍ وأبو بُردةَ ابنَ أبي المُجالِدِ إلى عَبدِ الرَّحمنِ بنِ أبَزَى رَضيَ اللهُ عنه، فسَأَلَه، فقالَ: «كان أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُسلِفونَ على عهْدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولم نَسأَلْهم: أَلهمْ حَرْثٌ أم لا؟» أي: هلْ يَملِكون زَرْعًا أمْ لا؟ وهذا مِن التَّيسيرِ على النَّاسِ، بتَرْكِ التَّشدُّدِ فيما لم يُشدِّدْ فيه الشَّرعُ.
وفي الحديثِ: الرُّجوعُ إلى أهلِ العِلمِ عندَ وُقوعِ الخِلافِ.