باب الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحروب وكتابة الشروط

بطاقات دعوية

باب الشروط في الجهاد، والمصالحة مع أهل الحروب وكتابة الشروط

عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة ومروان، يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه، قالا: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[من المدينة 2/ 182] زمن الحديبية [في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي، وأشعره، وأحرم منها 5/ 64] [بعمره، وبعث عينا له من خزاعة، وسار النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى كان بغدير (الأشطاط) (1)، أتاه عينه، قال: إن قريشا جمعوا لك جموعا، وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت ومانعوك، فقال: " أشيروا أيها الناس على، أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين
يريدون أن يصدونا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن يأتونا كان الله قد قطع عينا من المشركين، وإلا تركناهم محروبين" (2).
قال أبو بكر: يا رسول الله! خرجت عامدا لهذا البيت، لا تريد قتل أحلإ، ولا رب أحد، فتوجه له، فمن صذنا عنه قاتلناه. قال: امضوا على اسم الله" 67/ 5] (3)، حتى كانوا ببعض الطريق، قال النبي
- صلى الله عليه وسلم -: إن خالد بن الوليد بالغميم، في خيل لقريش طليعة (4)، فخذوا ذات
اليمين"، "فوالله ما شعر بهم خالد، حتى إذا هم بقترة الجيش، فانطلق يركض ذيرا لقريش، وسار النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها، بركت ه راحلته، فقال الناس: حل حل، فالحت، فقالوا: خلأت القصواء (5)، خلأت لقصواء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
"ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل"، ثم قل:" والذي نفسي بيده؛ لا يسألوني خطة (6) يعظمون فيها حرمات الله؛ إلا أعطيتهم إياها"، ثم زجرها، فوثبت، قال: فعدل عنهم، حتى نزل باقصى الحديبية على ثمد قليل الماء، يتبرضة الناس تبرضا، فلم يلبثه الناس حتى نزحوه، وشكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العطش، فانترع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة، وكانوا عيبة (7) نصح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي، نزلوا أعداد مياه الحديبية، ومعهم العوذ المطافيل (8)، وهم مقاتلوك، وصادوك عن البيت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إنا لم نجىء لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم (9) الحرب، وأضرت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن
أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا (10)، وان هم أبوا، فوالذي نفسي بيده؛ لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذن الله أمره"، فقال بديل: سابلغهم ما تقول، قال: فانطلق حتى أتى قريشا، قال: إنا قد جئناكم من هذا الرجل، وسمعناه يقول لولا، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا.
فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء، وقال ذو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول. قال: سمعته يقول: كذا وكذا، فحدثهم بما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقام عروة بن مسعود، فقال:
أي قوم! ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أولستم بالولد؟ قالوا: بلى.
قال: فهل تتهموني؛ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ (11)، فلما بلحوا على جئتكم باهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى. قال: فإن هذا قد عرض لكم خطة وشد، اقبلوها، ودعوني آتيه. قالوا: ائته، فاتاه، فجعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوا من قوله لبديل، فقال عروة عند ذلك: أي محمد! أرأيت إن استأصلت أمر قومك؛ هل سمعت بأحد من العرب اجتاح (12) أهله قبلك؟ وإن تكن الأخرى؛ فإني والله لا أرى وجوها، وإني لأرى أشوابا من الناس، خليقا أن يفروا ويدعوك! فقال له أبو بكر رضي الله عنه: امصص ببظر اللأت؛ أنحن نفر عنه وندعه؟ فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده؛ لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك، قال: وجعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكلما تكلم أخذ بلحيته (13)، والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعه السيف، وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ضرب يده بنعل
السيف (14)، وقال له: أخر يدك عن لحية رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرفع عروة رأسه، فقال: من هذا؛ قالوا: المغيرة بن شعبة، فقال: أي غدر (15)! ألست أسعى في غدرتك (16)، وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية، فقتلهم، وأخذ أموالهم، ثم جاء، فأسلم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اما الإسلام فاقبل، وأما المال فلست منه في شيء".
ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعينيه، قال: فوالله ما تنخم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخامة، إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له، فرجع عروة إلى أصحابه، فقال: أي قوم! والله لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر، وكسرى، والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن تنخم نخامة (17) إلا وقعت في كف رجل منهم، فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيما له، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، فقال رجل من بني كنانة: دعوني آتيه، فقالوا: ائته، فلما أشرف على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها له"، فبعثت له، واستقبله
الناس يلبون، فلما رأى ذلك قال: سبحان الله! ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت، فلما رجع إلى أصحابه، قال: رأيت البدن قد قلدت واشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت، فقام رجل منهم يقال له: مكرز بن حفص، فقال: دعوني آتيه، فقالوا: ائته. فلما أشرف عليهم، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هذا مكرز، وهو رجل فاجر"، فجعل يكلم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبينما هو يكلمه، إذ جاء سهيل بن عمرو،- قال معمر: فأخبرني أيوب عن عكرمة؛ أنه لما جاء سهيل ابن عمرو؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لقد سهل لكم من أمركم (18) "- قال معمر: قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو، فقال: هات؛ اكتب بيننا وبينكم كتابا، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الكاتب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم". قال سهيل: أما الرحمن؛ فوالله ما أدري ما هو؛ ولكن اكتبا باسمك اللهم، كما كنت تكتب، فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اكتب: باسمك اللهم"، ثم قال: "هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله"، فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله"،- قال الزهري: وذلك لقوله: "لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها"- فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به"، فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا اخذنا ضغطة، ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب، فقال سهيل: وعلى أنه لا يأتيك منا رجل- وإن كان على دينك- إلا رددته إلينا، أوخليت بيننا وبينه، فكره المسلمون ذلك، وامتعضوا منه 3/ 172]، قال المسلمون: سبحان الله! كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما؛ [وأبى سهيل إلا ذلك، فكاتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك]، فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو، يرسف في قيوده،
وقد خرج من أسفل مكة، حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد! أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنا لم نقض الكتاب بعد"، قال: فوالله إذا لم أصالحك على شيء أبدا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فاجزه لي".
قال: ما أنا بمجيزه لك، قال: "بلى؛ فافعل"، قال: ما أنا بفاعل، قال مكرز: بل قد أجزناه لك، قال أبو جندل: أي معشر المسلمين! ارد إلى المشركين وقد جئت مسلما، ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذابا شديدا في الله، [فرد يومئذ أبا جندل. إلى أبيه سهيل بن عمرو، ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلما]، فقال عمر بن الخطاب: فأتيت نبى الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: ألست نبى الله حقا؟ قال: "بلى". قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: "بلى". قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟! قال: "إني رسول الله، ولست أعصيه، وهو ناصري". قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت، فنطوف به؟.
قال: "بلى؛ فأخبرتك أنا نأتيه العام؟ ". قال: قلت: لا، قال: "فإنك آتيه، ومطوف به". قال: فأتيت أبا بكر، فقلت: يا أبا بكر! أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذا؟ قال: أيها الرجل! إنه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليس يعصي ربه، وهو ناصره، فاستمسك بغرزه (19)، فوالله إنه على الحق. قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى؛ أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه، ومطوف به.
قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالا (20). قال: فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "قوموا فانحروا، ثم احلقوا". قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد؛ دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله! أتحب ذلك؟ 

اخرج، ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك، فيحلقك، فخرج، فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك؛ قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما.
ثم (وفي رواية: ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة، وإن كان مسلما، و) جاءه نسوة مؤمنات [مهاجرات (21)، وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ، وهي عاتق (22)، فجاء أهلها يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرجعها إليهم، فلم يرجعها إليهم،، فانزل الله تعالى (وفي رواية: لما أنزل الله فيهن): {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} حتى بلغ: {بعصم الكوافر}، فطلق عمر امرأتين- كانتا له في الشرك، فتزوج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أمية، ثم رجع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، فجاءه أبو بصير؛ رجل من قريش، وهو مسلم، فأرسلوا في طلبه رجلين، فقالوا: العهد الذي جعلت لنا، فدفعه إلى الرجلين، فخرجا به، حتى بلغا (ذا الحليفة)، فنزلوا يأكلون من تمر لهم، فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك هذا يا فلان! جيدا، فاستفه الأخر، فقال: أجل، والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه، فامكنه منه، فضربه حتى برد (23)

وفر الآخر حتى أتى المدينة، فدخل المسجد يعدو، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رآه،
لقد رأى هذا ذعرا، فلما انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قتل والله صاحبي، وإني لمقتول، فجاء أبو بصير، فقال: يا نبي الله! قد- والله- أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم، ثم أنجاني الله منهم. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ويل أمه (24)، مسعر حرب، لو كان له أحد"، فلما سمع ذلك، عرف أنه سيرده إليهم، فخرج حتى أتى سيف البحر (25)، قال: وينفلت منهم أبو جندل بن سهيل، فلحق بأبي بصير، فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير، حتى اجتمعت منهم عصابة، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها، فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تناشده بالله والرحم لما أرسل (26)،
فمن أتاه فهو آمن، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فانزل الله تعالى: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} حتى بلغ: {الحمية حمية الجاهلية}، وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله، ولم يقروا ب {بسم الله الرحمن الرحيم}، وحالوا بينهم وبين البيت

بَيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحكامَ الحَجِّ والعُمرةِ وسُننَهما وآدابَهما، بالقَولِ والفِعلِ، ونقَلَ الصَّحابةُ ما سَمِعوه وما رَأوْه مِنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ذلك.
وفي هذا الحديثِ يَروي المِسْوَرُ بنُ مَخرَمةَ رَضيَ اللهُ عنهما والتابعيُّ مَرْوانُ بنُ الحكَمِ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ مِن المدينةِ عامَ الحُدَيْبِيَةِ -وهو العامُ السادسُ مِن الهِجرةِ- يُريدُ العُمرةَ ولا يُريدُ قِتالًا، ومعه بضْعَ عَشْرَةَ مئةٍ مِن أصحابِه -والبِضعُ مِن ثَلاثةٍ إلى تِسعةٍ- وفي الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ جابرٍ ذكَرَ مرَّةً أنَّهم كانوا ألْفًا وثَلاثَمئةٍ، ومرَّةً ألْفًا وأربعَمئةٍ، ومرَّةً ألْفًا وخَمسَمئةٍ، فلمَّا وَصَلوا إلى ذي الحُلَيْفةِ -وهي المَعروفةُ بآبارِ عَلِيٍّ، وهو مَوضِعٌ مَعروفٌ في أوَّلِ طَريقِ المَدينةِ إلى مكَّةَ، بيْنه وبيْن المدينةِ نحْوُ سِتَّةِ أميالٍ (13 كم) تَقريبًا، وبيْنه وبيْن مكَّةَ نحْوُ مِئتي مِيلٍ تَقريبًا (408 كم)، وهو أبعَدُ المواقيتِ مِن مكَّةَ، وهو مِيقاتُ أهلِ المدينةِ، وكُلُّ مَن أتى إلى الحَجِّ ومرَّ بالمدينةِ فإنَّها كذلِك مِيقاتٌ له- قلَّد النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الهَدْيَ وأَشْعَرَه، والتَقليدُ: أنْ يُجعَلَ في أعناقِ الهَدْيِ قِلادةٌ تُميِّزُه عن غَيرِه؛ مِن جِلدٍ، أو نَعلَين، أو نحْوِها. والإشعارُ: أنْ يُطْعَنَ في سَنامِ البَدَنةِ بسِكينٍ أو نحْوِ ذلك حتَّى يَسيلَ دَمُها، وفائدةُ الإشْعارِ: الإعلامُ بأنَّها صارتْ هَدْيًا، فيَتبَعُها مِن الفُقراءِ مَن يَحتاجُ إليها، وحتَّى لو اختَلَطَت بغَيرِها تَميَّزَت، أو ضلَّتْ عُرِفَتْ، مع ما في ذلِك مِن تَعظيمِ شِعارِ الشَّرعِ، وحَثِّ الغيرِ عليه.
وقد أَحْرَمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالعُمْرَةِ، ولكنْ مَنَعَه المشرِكون، ووقَعَ صُلحُ الحُديبيَةِ، وقَضَى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عُمرتَه هذه في العامِ القابلِ (السابعِ الهِجريِّ)، وسُمِّيت عُمرةَ القَضاءِ. وفي صَحيحِ البُخاريِّ، عن ابنِ عباسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: «قد أُحصِرَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فحَلَقَ رَأسَه، وجامَعَ نِساءَهُ، ونحَرَ هَدْيَه، حتى اعتَمَرَ عامًا قابلًا».
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ تَقليدِ الهَدْيِ وإشعارِه؛ لتَمييزِه.
وفيه: مَشروعيَّةُ الإحرامِ بالعُمرةِ المُفرَدةِ.